رائعة من روائع الكاتب رعد الإمارة / العراق
عابر سبيل، أحدهم جعله يبكي 😔
1 (الشتاء الأخير)
كنت قد وعدتها بالزواج، حتى أني ابتعت لها خاتماً بفص أحمر، لقد تجاوز عمري الأربعين سنة أخيراً وهي مازالت تنتظر! والخاتم ذو الفص الأحمر مازال يزين اصبعها النبيل. الدنيا لم تكن عادلة معي ولا معها، حاولت قدر الأمكان أن احظى ولو بفرصة لتحقيق حلمنا، لكن الدنيا أدارت ظهرها لنا بصورة مرعبة. طيب، لقد ماتت أخيراً، في صباح شتائي بارد، لم تنبس بحرف، هي فقط تمددت كأي امرأة نبيلة خلتْ ملامحها من الشكوى والعتب، كانت نظرتها الأخيرة كأنها تقول :أنا بصدق آسفة، كان بودي انتظارك أكثر! ثم تحسّرتْ وهي تمسُّ بأصبعها فص الخاتم،وغَفتْ للأبد!!. (تمت)
٢ (مصباح البيت)
دَهنتْ أمي بعض أرغفة الخبز البارد بمعجون الطماطم ثم راحت توزعها علينا، قالت وهي تدسُّ قطعة صغيرة في فمها :
-سيعود البابا قريباً، وسأطبخ لكم الكثير من الطعام. أخذتْ أمي تفتح ذراعيها على وسعهما وهي تصور لنا كمية الطعام الهائلة التي ستطبخها، لكن وهي تحدق في، كانت زاوية فمها ترتجف!.عاد أبي أخيراً، مبللاً كعصفور الشتاء، راح أخوتي الصغار يدورون حول كيس السمك شبه الخاوي، كانت يده القابضة عليه بقوة سرعان ما ارتختْ فتبعثرتْ بضع سمكات أكبرهن بطول الكف،قالت أمي :
-هل تستحم أولاً، أم أسكب لكَ الغداء؟. قاطعها أبي بأن رفع يده وقال :
-لا، سنأكل السمك أولاً أنا والأولاد، ارتاحي أنتِ سأفعل كل شيء بنفسي. كان وهو يتكلم ينظر صوبي خلال ذلك، وضع يده الباردة جداً على كتفي، شَعرتُ بقشعريرة هزتني تماماً، قال :
-تعالي ساعديني يا بلبلتي، الماما مريضة. بعد العشاء انزوتْ أمي في فراشها، كانت تئن بصوتٍ خافت، أخذتُ أدلّك ساقيها،كان أبي يحتسي الشاي،أما إخوتي فقد التصقتْ أجسادهم الصغيرة وغابوا في نومٍ متقطع تخللته أحلام مضحكة لا أول لها ولا آخر، كنت على وشك أن أغفو على ساقي أمي المشتعلتين ناراً، حين هزَّ أبي كتفي برقة، انهضني وهو يقلّدُ برأسه طريقة نومي، ضحكنا بصوتٍ خافت معاً، سحبني من يدي ثم أزاح الغطاء ودثرني جيداً، تحسّر ومضى، كان بوسعي رؤيته من خلال النور الباهت كيف راح يدلك جسد أمي كله بهمة عالية. عند الفجر مسَّ أبي كتفي، كانت عيناه محمرتان تماماً، همس في أذني :
-انتبهي لأخوتك، لن اغيب طويلاً. كان النعاس مايزال يداعب أجفاني حين عاد أبي، لم يكن لوحده، سمعته يتحدث مع آخرين، نظر صوبي ثم راح يحدّق صوب أخوتي، اقترب مني ثم أنحنى وقال بصوتٍ ميّتْ :
-صغيرتي، غطي رؤوس اخوتك الثلاثة، افعلي ذلك بهدوء. زحفتُ صوبهم، فيما جثا أبي على ركبتيه عند جسد أمي المخفي تماماً خلف الاغطية، ازاحها جانباً،دسَّ يديه الأثنتين ثم حملها بسرعة، كانت خفيفة مثل الريشة، ضمها إلى صدره ولم يلتفت صوبنا. مرت الأيام سريعة بعد ذلك، كان مصباح البيت ذو الوهج القوي قد انطفأ أخيراً، قال أبي أنتِ مصباح البيت الآن، كانت شفتيه ترتعشان وهو يقول ذلك!. وهكذا أصبحتُ أماً لأخوتي وأنا لم أبلغ الثالثة عشر بعد، كان أبي قد أخذ ينظر لي كما لو كنت صديقة لا إبنة، أصبح يبثني همه ويشاركني أحلامه وهو ينظر بفخر صوب أخوتي المنهمكين بالمذاكرة، مع مرور الوقت تحسن وضعنا قليلاً، أصبحتُ خياطة ماهرة، ثيابنا وثياب المعارف والجيران أخذت تمرُّ من تحت يدي، لكن شيئاً ما أصابني أخيراً ، صرتُ اتنهد كثيراً، حتى إن زاوية فمي باتت ترتجف!!!. (تمت)
بقلم /رعد الإمارة /العراق
Commentaires
Enregistrer un commentaire