قصة رائعة من روائع الأديبة ناديا العروصي/المغرب
قصة قصيرة
" نهاية حلم "
على ترانيم همسات شجية تعزف إيقاعات موسيقى صباحاتها المنكسرة تداعب أنغامها الموجوعة على
أوتار أحلامها المصلوبة وآمالها المزعومة . يدبدب الهم محياها ويهش الوجع أو صالها كزهرة أصابها الذبول .
لم تستفق بعد من صدمتها لازال جرحها ينزف ولم يندمل بعد. تتخللها أصقاع الذكريات وتساقط الضربات وتوالى الخيبات اتباعا ،رياح التيه تعصف بها وتلقي بها في دهاليز الضياع والانهيار .
باتت هشه ومتوهنة كجسد كسيج يتظلل بعباءة من ضباب ،يفتك بها الوجع ،تحيا في كنف اليأس، سئمت الانتظار وثورة الأفكار، تجاهلت كل حماقاته وخيباته ،امل شحيح في العودة إلى سابق عهده لاشيء يثنيه عن ذاك القرار،
استشاطت غضبا، لم تتمالك أعصابها وانهارت أمام إصراره وإلحاحه، تأكلها الغيرة ،تحدت صمتها القاتل وقررت مواجهة تلك العاصفة الهوجاء ولا مجال للاستسلام علها تعيد ما أشرفت على فقدانه.
ككل ليلة تساق على عجل وبلا هوادة كما لو تسحب صوب نفق عميق تشتهي التمدد على حافة السرير وتغرق في سبات نوم عميق لكن جحافل تلك الوساوس وتزاحم الأفكار وتضاربها تعصف بها كأمواج هادرة تقض مضجعها وتقلق راحتها فتهف من الأفق بعض التساؤلات المحمومة تتقاطر مالذي حدث ويحدث ؟
كيف تسنى له بعد هذا الحب الكبير أن يضعني في موقع الاختيار ؟
وأمام أرق نومها وسهادها ونشيج صمتها وتماشج تلك الصرخات المكتومة والأصوات المحبوسة المنبعثة من أعماق انفاسها المختنقة تحتدم حمم الصمت وتحتد شرارته تتعالى أصوات الصراخ مزمجرة في تجاويف الصدر فتستسلم للنوم منبطحة على وجها والدمع يكلل خديها وتضطجع تارة على جانبها الأيسر وأخرى على الأيمن تغفو حينا وتستفيق حينا آخر على تلك الأصوات اللاغطة التي يتصدع من حديثها رأسها حتى يكاد ينفجر ،ينتفض جسدها النحيل ،تستقيم وتزمل كل جسدها بلحاف صوفي علها تشعر بالدفء ويغزو جسدها المرتعد كطير جريح لاتكاد تنفذ من تلك الأصوات التي تكتسح فكرها حتى تسري حرارة في سائر جسمها العليل حتى تستفيق من جديد.
كانت "ندى " مشرقة ،متوهجة ،جميلة ،خفيفة الظل ،رقيقة وناعمة لكن غيرتها القاتلة صيرتها امرأة من نار لا تهدأ ولا تستكين لا تقبل الهزيمة ولا الاستسلام ذخلت منافسة شرسة مع عشيقته التي استحوذت على كل اهتماماته وفازت بحبه وأسقطته في شراكها فلم يقوى على الانفلات من قبضتها فوقع في شباك الرذيلة .
لازالت صور الماضي منقوشة على جبين الذاكرة تعيدها من جديد إلى ماض ليس بالبعيد حيث كان يلاحقها بنظراته الساحقة ويتودد إليها إلى أن نال اعجابها وشغف قلبها حبه لكن سرعان ما انقلبت كل الموازين وضاع كل ذاك الحب .
كانت تحيا حياة هنيئة وكريمة في كنف زوج محب حياة بسيطة ومنظمة إلى أن أصابها الفتور في الآونة الأخيرة وتغيرت ملامح حياتهم الزوجية الهادئة الى مناقشات يومية وصراعات دائمة حيث دبت الشكوك ولاحت الظنون بظلالها حول غياباته المتكررة إلى أن انتقل إلى مسامعها وبمحض الصدفة قادها القدر إلى إحدى الصالونات النسائية الراقية، تمة مجموعة من الصديقات يتجادبن أطراف الحديث فيما بينهم عن جنون إحدى صديقاتهن باتت مهووسة بحبيبها وتربطها علاقة وطيدة برجل الأعمال المشهور " عادل عمور" استقبلت الخبر كما الصاعقة ،جن جنونها ،توقد قلبها غيظا وأصابها القلق والضجر وباتت أصواتهم كصوت هادر يسك سمعها لم تقوى على الاحتمال انتفضت وبخطى متأرجحة همت على الفور بالرحيل تاركة المكان وكأنه زلزال مجلجل يتغلغل بذاخلها ،من هنا أدركت أن كل شكوكها في محلها وماسمعته حقيقة وليس توهما ، دقت ساعة الحسم بات لزاما عليها أن تفتح صدرها للريح وتواجه تلك العاصفة فكانت المواجهة بحقيقة فعلته الشنيعة وجريمته النكراء فكانت الصدمة أقوى وأمر لم ينكر واعترف أمامها بكل جرأة ووقاحة عن حقيقة مشاعره نحوها وشدة تعلقه بها وأنه متميم بها ويعشقها حد الجنون ولن يتراجع عن فكرة الانفصال والارتباط بها في اقرب الآجال ،انهارت أمامه وأجهشت بالبكاء ولملمت ماتبقى من كرامتها وعزة نفسها وحتى لا يداس كبريائها أكثر .فكان القرار بادرت على الفور بالرحيل.
هو نفسه ذاك الزوج المحب الذي لاطالما كان يعشقها ويحبها ذات يوم بجنون يطبطب عليها ولا يحتمل أن تجرح مشاعرها وان يطالها مكروه يتألم لألمها ويفرح لفرحها صاحب القلب الكبير، العقل المنير والصدر السليم بات عديم الإحساس ، جافا وقاسيا .
هي من كانت تسعى دوما لإسعاده ،توفر له كل سبل الراحة وتنتظر قدومه كل ليلة بلهفة وشوق تحن الى تلك الأيام التي خلت والسعادة تملأ قلبها الصغير وهي تتوسد فرحتها وتشعل أصابعها شموعا لاستقبال حبيب العمر بينما الوغذ الخؤون كان يرتمي بين أحضان عشيقته متناسيا أن هناك زوجة تعد الساعات والثواني لعودته على أحر من الجمر سالما لكن هيهات ثم هيهات في لحظة قاتمة تلاشى وانهار ذاك الحلم الجميل وفي لمح البصر،
قد تضيع بعض العلاقات وتغتال بعض المشاعر وتنتحر بعض الأحاسيس وتتبلد حين تقتلها سهام الغذر والخيانة.
بقلم (العروصي نادية)
Commentaires
Enregistrer un commentaire