رائعة من روائع الشاعر عبدالرحيم أبو راغب /العراق
ملحمة الحرف ..
عندما ولد الحرف أزهر العقل..
__________
أعِرْنِي نُبوغَ الحرفِ سيرَتَهُ الأُولى
أعِرْنِي دواةً .. ريشةً وهوى أحلى
يُكَحِّل أهدابَ القوافي فإنَّها
ومُذْ عَشِقَتْ تهفو إلى اللوعةِ المُثلى
مَللتُ قواميس المعاني ومَنْطقي
بزيفِ اكتمالٍ ثَمَّ زَهْوٍ فما أسْلى
كرهتُ نواميس الكتابة نزوة
وفيها الهوى مِقياسُ مرتبةٍ فُضلى
فقدنا بهاءَ الروحِ صِرْنا مظاهِرا
قشورٌ رُؤانا مثلَ ذي صدأٍ يُطلى
فهَبْ لي ملاذًا يُآنِس وَحْشتي
أفُولي قُبَيلَ النَطْقِ للمُشتكى أدْلى
هُراءٌ "تَجلَّي" الحرفِ دون "رسالة"
تلاشى المُنى والنعْتُ يفتقِدُ "الأغلى"
غدتْ أبجديات الأسى لوح آهةٍ
تسوءُ صِحافٌ كلُّ سؤْلٍ له "كلّا"
سَبَرتُ خبايا الطين لمَّأ عَجنْته
ومن "قَصَبٍ*" كان اليراعُ كما المولى
أيا "كاهِنَ"* اللَّوحِ النبيلِ ألا ترى
بأنَّ كتابَ الشِّعرِ من وجعٍ يَبْلى
وهذا الفتى"السومريُّ"*يشكو كُهولةً
لتعويذةِ العُمْرِ السقيمِ هُوَ الأَوْلى
طوَتهُ المنافي فاستحالتْ مدائِنًا
بلا وطنٍ..روحُ العزيزِ هَوتْ ثَكْلى
لِ"أوروكَ*" أطلالٌ تضجُّ بصمتِها
ترانيمُ"عِشتارَ*" الإلهِ لمن تُتْلى
وليس هُنا "إكسيرُ"* خُلْدٍ كبلسمٍ
فلمْ يبقَ غير الحزنِ خلفَ الردى صلَّى
خَبَتْ في معاليها النجومُ تدثَّرتْ
بليلِ الدجى تلك المعالي غدتْ سُفلى
أراكَ بذاتِ الحدْسِ تَهْذي مراثيا
هواكَ عقيمٌ من جفاءِ الرجا ولَّى
ستبقى تلوكُ الحُلمَ محض مواجع
فما من قصيدٍ يحتفي مَثَلًا أعلى
_________________
*القصب: دلالة على قلم القصب السومري المثلث الرأس والكتابة المسمارية التي اخترعها العراقيون القدماء في حدود سنة ٣٢٠٠ قبل الميلاد
* الكاهِن: كانت كهنة المعابد السومرية تتولى دَور المعلم من خلال الألواح الطينية في العهود الأولى
* سومري : إشارة للحضارة السومرية التي نشأت في أرض العراق في الألف الخامس قبل الميلاد، أقدم حضارة في تاريخ الإنسانية، والتي كان لها الأثر الكبير في نشأة وتطور الحياة والإنسان.
*أوروك :ظهرت في بداية العصر البرونزي قبل حوالي 4000 سنة قبل الميلاد وفي مدينة أوروك أُخترعت الكتابة ومن هذه المدينة ظهر الحرف الأول في العالم.
*عشتار: هي آلهة الحب والحرب والجمال والتضحية في الحروب في حضارات بلاد الرافدين.
إكسير : إشارة إلى عشبة الخلود الذي كان يبحث عنها الملك السومري "جلجامش"بملحمته المعروفة بإسمه بعد أن فقد صديقه "انكيدو" صاحب مغامراته
ظنا منه أنه سيُخلد بها ولكنه اعتبر أخيرا بان الإنسان يُخلَّد عن طريق الأعمال والآثار العظيمة التي يتركها بعد وفاته.
عبدالرحيم أبو راغب
Commentaires
Enregistrer un commentaire