عمر الأرقام العابرة / الأديب أنس الشرايبي





 عمر الأرقام العابرة .....................................................................................................

كنا قبل زمن، نحتفظ بمذكرات تشغل حيزا من يومياتنا، تلك التي طالما تأملنا تفاصيلها بتأنٍّ، مذكرات حدث أن لملمت بين صفحاتها أرقام من اعتدنا أصواتهم على مدار المواسم الأربعة، ننظر إلى تفاصيلها المرفقة بالأسماء، وندري أننا في متاهة البحث عن رقم، سنفاجأ بطارق ينهي كلفة الانتظار ذاك، نحجز لأنفسنا مساحة في أريكة لنقلب بين تلك الصفحات إياها عن عناوين من أغابتهم الأقدار، من تركوا بصمة في هاتف يحدث أن نفتقد رنينه الاعتيادي، ذلك الذي طالما أيقظنا من غفوة، أو أخذ منا برهة السفر في الذاكرة.

أوراق بألوان اعتاد معظمنا صمت النظرة إلى تفاصيلها بالاندهاش نفسه مما كتبناه على عجل، أو رقم أضفناه في مساحة تركناها مفتوحة أمام مشاريع أوهام عابرة، ذلك أننا كنا نكتب الأرقام دون ان نكون معنيين بما ترسمه أقلامنا، ما دمنا نريد توثيق رقم ندري أن ذاكرتنا معرضة لطارئ بحجم النسيان، أو حتى خطإ يقودنا للبحث بين أشيائنا لساعات، لنكتفي لاحقا بالصمت أمام هاتف لا ذاكرة له، عدا تلك الأرقام التسلسلية، والتي طالما أوقعتنا في فخاخ نصبتها لنا الأقدار أثناء محاولتنا البحث عن صوت افتقدناه.

بعد عمر، ها نحن امام جدلية أشياء تغيرت حد تركنا أمام حيرة تصديق كيد الأرقام، فبين الأمس واليوم، بات معظمنا في غنى عن مذكرات ذلك الزمن. ما دام للهاتف في زمننا الهارب، ذاكرة بشساعة المسافة التي تفصلنا عن من افتقدنا صوتهم، من تغيرت أرقامهم في لحظة، أو من قاصصنا أنفسنا بوهم انتظار كلماتهم التي اختفت من حياتنا، لأسباب لا تدري بها مذكرات هواتفنا تلك!

أين الخلل؟ نسأل أنفسنا غير ما مرة دون أن ندري بما تحمله فوضى الارقام، نطلب رقما يهدينا كلمات على عجل، أو آخر ينسى لبرهة أننا على الطرف الآخر، لينهي عمر انتظارنا بكبسة زر، أو حتى بنقرة. نجلس بالحيرة نفسها، إلى ما كان قبل زمن مجرد حلم، أو بضع كلمات تمنى معظمنا لو أنها لم تكن مجرد صورة، كتبت عليها الوان الفصول، أو عبارات اشتياق مستعارة. أرقام نعيش بين تفاصيلها على أهبة فراق بعمر غير متوقع، أو أخرى تترك لنا مرارة الأسئلة لحظة اكتشافنا أنها أضحت خارج الخدمة.

في زمن زحمة الأشياء، ها نحن نعيش مشاريع ترقب آخر، نفتش بين جيوب ذاكرتنا الأخرى، عن أوراق لزمن مضى، عن عمر الكلمات التي نطقناها بعنفوان من يكابر أمام لوعة اشتياق نعيش هواجسها مكتفين بالصمت، نوهم أنفسنا بطارق بات عابرا افتراضيا على الواتساب، نتردد أمام أشياء طالما كتبناها إلى جانب ارقام ذلك العمر، دون أن ندري بتلك اللعنة التي رافقنا، مذ وضعنا في جيوبنا ما يغنينا عن حمل مذكرة، أو حتى وضعها بمحاذاة سرير.

بعد زمن الأحلام إياها بعمر، ها نحن نحصي خيباتنا، لنرفقها بذكريات من بقايا الكلمات، ننظر لمذكرة تناسينا ورقها، نبحث بين سطور عمر مضى، عن لهفة زمن عشنا عمر هواتفه بعداد دقات قلوبنا، بشهقة الأحلام التي راودتنا، كلما سمعنا صوت هاتف يكسر صمت ردهاتنا، نحن الذين اكتفينا بيتم أرقام تركتنا إكثر من مرة أمام فوضى الذهول.

في الزمن المعاكس للأحلام؛ ها نحن ننظر لفصول تترك بين أرقامنا كأحبة  مساحات للأسئلة المحيرة، أو أخرى للشجن ما دام عابرو شاشاتنا تلك أخطؤوا قراءة قلوبنا، ليختار معظمهم نسيانا آخر، تماما كما لو أن كل مواعيدنا تلك  لم تكن سوى مشاريع أرقام تغيرت معادلاتها بمرور العمر!!..

بقلمي 

أنس الشرايبي

Commentaires

Articles les plus consultés