عن العناق وعشاقه // الأديب أنس الشرايبي
عن العناق وعشاقه!! .................................................................................................
منذ أيام إذا عبرنا اليوم العالمي للعناق، ذلك الذي أراده فيلسوف امريكي كبروفا ربما تسبق عيد الحب، أو لحظة ما توثق بها الانسانية ذاكرة فرح عابر، او برهة يتوقف فيها الزمن بين أحضان من نحب، ذلك أننا لفرط خساراتنا ما عدنا ننتظر أكثر من ثوان ننسى في دفئها ما افتقدناه، نعيش وهما عابرا بمساحة لحظة حضن، وندري بما ينتظرنا على بعد جادة، في زمن باتت يومياته متطابقة حد إصابة البشرية برمتها بكآبة جماعية!
فقبل زمن، لم نكن نحتاج يوما عالميا للحنين، ولا آخر يبقي حواسنا أمام عشرات الأسئلة، نحن الذين كنا ننسج برهة عناقنا المؤجل ونحن نكاتب من نشتاق لهم، نختم أظرفتنا تلك بكلمات من قبيل - أعانقك- أو غيرها من اقتباسات كنا نبحث عنها لزمن قبل أن نذرف أوهامنا في مساحة البياض تلك، وندري أننا قد ننتظر برهة عناق لسنة كاملة، أو أشهر تمر بنا يومياتها، لتضيف لشلال الحنين عطرا يبقينا قيد الانتظار.
لذا؛ على مدى عمر كم دفع معظمنا ثمنا للحظة عناق عابرة، بدءا من ذلك الذي قاوم لحظة دفء أمام قاطرة، كادت تمضي به الى حتفه الأخير. أو ذلك الذي لم يدر أنه بعناقه ذاك، كسر إزميل حلمه، ليمضي محملا ببقايا عطر، لم يدر ماذا يفعل بذاكرته.
لذا؛ نظل دوما، عشاقا او أحبة، متيمين أو حتى أسرى الذاكرة نبحث عن لحظة نختزل فيها ما فاض بنا على مدار زمن الانتظار، ننشد لحظة عناق آملين أن يكون طرفها الآخر صادقا حد مطابقة أبطال قصصنا، لا عابرا ممن تفيض بهم مطبات لعنة التكنولوجيا، عناق من غادرونا في فصول مضت، ليتركوا في يومياتنا مساحات فارغة لا تملؤها رسائل تبلغ الأقطار في ثوان، كما لا تعوضها أشياؤهم التي علقت بنا حد احتفاظنا بتفاصيلها لعمر، عناق من ذرفنا برفقتهم دموع الغياب ووجع اشتياق يسكننا كلما رأينا صورتهم بنقلها المباشر لنختار إبقاء مشاعرنا قيد كتمان مؤقت.
تقول الحكمة - العناق أن تأتي بعطر وتغادر باثنين- لربما كان قائلها يختزل ما بتنا نعانقه في أزمنة العشق الافتراضي، بين بقايا دفء يبقي صفحاتنا العابرة أمام احتمال نسيان، أو ما أصبحنا نحتفظ به في زمن الأوهام العابرة، بدءا بتلك الكلمات التي تعبر شاشة هاتف، وانتهاءا بما فاضت به صناديقنا الأخرى من صور زمن لن يعود.
بين ذاكرة من غادرناهم ذات زعقة إقلاع، أو من لا زلنا ننتظر أطيافهم على شفا رصيف قطار، ها نحن إذا نوثق حلمنا الآخر في كلمات تعبر في مسافة ومضة، نعيش أنصاف أحلام في انتظار من احتفظنا بسلاماتهم، برقياتهم، أو عطرهم الغائب، نعانق طرف وسادة، أو دببة محشوة بقطن زمن، استعصت فيه أحلامنا تلك. نبحث في مذكراتنا عن شظايا وعود، او استفهامات كتبنا بقاياها على طرف أوراق لم تزل تحتفظ بدفء عمر لم نكن ندري بمتاهات يومياته اللاحقة، نغزل صوف أمنيات بعودة، أو نستعيد شرائط من ذكريات لقاء شهد لهفة العناق تلك، كما بضع دموع، أخفينا بعضها في لحظة وداع.
عمرا بعد آخر نظل نعيد الأسئلة نفسها، نعيش ترف لحظة حنين مؤجلة، ننظر لأنفسنا التي تغيرت لفرط ما مررنا به، نسائل ذواتنا عن ذاكرة معطف شهد لحظة شجن، أو فرحا بعودة غائب، نبحث بين ردهات ذاكرتنا عن نبرة صوت، عن أياد تمسكنا بها قبيل لحظة إقلاع، أو ذات لقاء كنا ندري أنه الأخير، عن وردة ظلت شاهدا على لحظة ضعفنا الإنساني، عن نوازعنا التي حدث أن تناسينا زخمها الصادق في زحمة ما بات أبيا هاربا كصورة تعبر شاشة لا تكفي لسد جوعنا لعناق مرفق بكل ذلك الحنين.
في زمننا أيضا ها نحن ننظر إلى ذواتنا الأخرى، نهرب بمشاعرنا ببضع خطوات، نخشى الاعتراف بلحظة ضعف، عن كبرياء ربما، أو لأننا في زمن سادت فيه فوضى الأحاسيس، لتصبح البشرية بأكملها تقف في انتظار قاطرة لا تحمل عابرا ينتزع وروده ليترك بين أيدينا أثر شوك ننظر إلى ندوبه، دون أن ندري بما كانت تخفيه لحظة عناق، أقل صدقا من تلك التي ينتظرها معظمنا على قارعة الأحلام!!.....
Commentaires
Enregistrer un commentaire