لو نقطة من بحر السعادة تكفي/الأديب أنس الشرايبي
.لو نقطة من بحر السعادة تكفي! .....................................................................................................
قبل سنوات بيعت قطعة ورق تضم حكمة عن السعادة في مزاد علني، بأكثر من مليون دولار امريكي، ويعود سعرها الخرافي في زمن رخص فيه الحبر وكثر الورق لكونها كتبت بأيدي البرت انشتاين، و الذي سلم دون أن يدري، ورقة يانصيب أثرت حفيد ساعي بريد بعد عمر!
في الحقيقة؛ لم يجد الكثير في تلك المليون دولار شيئا يثير الغرابة، ذلك أن كثيرا منا ينفق في زمن ملتبس بين عامين القيمة نفسها، يحجز لنفسه مقعدا بخمس نجوم، بحثا عن سعادة عابرة، عن بهجة لا تصنعها قطعا تلك الطاولات الفاخرة، ولا صحون البورسلين! ولأن معظمنا لا يقبل بأقل من سعادة موقعة تحت خمس نجوم ما زلنا نسمع بين حين وآخر عن مباهج عابرة يحضر فيها نادل الفرح المهندم، ويدري مسبقا أن عابر الفرح ذاك سيمضي دونما فسحة القبض على حلم، يظل عصيا على من يجلس الى الطرف الآخر مكتفيا بطبق سعادة تضيئه شمعة!
فبين الذي ينفق على سعادته بالعملة الصعبة وبين الذي يصنعها بأشيائه البسيطة تظل المسافة نفسها والهاجس نفسه، ذلك اننا كبشر لم نملك قط الاحتفاظ بازميل السعادة، ولا بجرارها مغلقة، ما دامت مقاييسها أبعد عن لعبة الارقام، وربما لا تطابق ما أتت به اسطورة صندوق باندورا، او غيرها من حكايات تناقلتها الحضارات على مدى عمر دون أن تدرك سر السعادة.
تقول الحكمة - السعادة اشبه بقبلة- وربما كانت جورج صاند التي كتبتها تدري ان الشعور بالأشياء، ليس كترف امتلاكها لمجرد وضعها في رف! لذا لم تدر البشرية برمتها بسر السعادة القصي، فظلت كما منذ عمر تبحث عنها في الاساطير، في الحكايات، في فتح جرار المواسم، لعلها تقبض أخيرا على ما أفنت عمرا في البحث عنه! ذلك ان لا أحد منا امتلك السر منذ القدم، نبحث عن سعادتنا في قصة حب، في مباهج فرح عابر بين سنتين، في الأشياء التي ظلت جزءا منا على مدى عمر، دون ان ندري أننا معرضون للفقدان، لفداحة تخلي الأشياء، للحظة تجتاحنا لتغير في دواخلنا تلك النظرة لمحيطنا، كما لمن حلمنا بمقاسمتهم لحظة سعادة اعتقدنا انها ممكنة.
في زمن الأوهام المستعصية ها نحن نعبر يوما عالميا آخر للسعادة، نسأل انفسنا عن أشياء صنعت بسمتنا، عن ذاكرة من احتفظنا بصورهم، عن مخزون لحظات انفقنا جانبا منها دون ان ندري بما تخبئه لنا أقدار عاكست توقعاتنا منذ الأزل!!
كعشاق أيضا ها نحن ننظر لعمر السعادة المستعار، نختزل امنياتنا بين تلك النغمات، ننظر لشبهة الاشياء التي احتفظنا بها، لترف تفاصيل عايشناها بذلك القدر من الترقب، لما أبقينا عليه مغلقا في صناديق عمر، نحن الذين اكتفينا برؤية شعوب احتلت مراكز متقدمة في مؤشر السعادة، وكأهل النرويج الذين فرقعوا في الهواء أكثر من مليوني دولار كشهب نارية احتفاءا باليوم العالمي للسعادة! مقياس لم يكن يدري به أكثر من يدفع بالآلاف بحثا عن سعادة لا تجلبها الأمكنة ولا ترف فرح مستعار!.....
Commentaires
Enregistrer un commentaire