طلقة رصاصة في وجه الحلم /الأديب أنس الشرايبي







 طلقة رصاصة في وجه الحلم..................................................................................................................

ونحن نشاهد لحظة رحيل شيرين، لم نكن نصدق ذلك المشهد، أو ربما عجزنا عن فهم تلك اللحظة، نحن الذين قضينا عمرا خلف شاشة، ننظر إلى تفاصيل حبكة تاخذنا في مشهد سينمائي بطل يرحل تحت الضوء، لنفاجأ لاحقا بكونه يبتسم خلف الكواليس فرحا بلحظة خلدتها شاشة ما إلى الأبد.

مثل الامس كنا ونحن نشاهد لحظة رحيل توثقها عدسة هاتف، ننصت لصرخة مرفقة بطلقات الرصاص العشوائي، ونسال أنفسنا عن ذلك الفارق بين طلقات الرصاص الذي اعتدناه في فيلم، وآخر يأتي مباغتا في بثه المباشر، بلا مساحيق تناسب حبكة التصوير، أو حتى مؤثرات صوتية.

الضحية هذه المرة ما كانت بطلة تعبر سجادا أحمر في مواسم نيل جوائز الأوسكار، بقدر ما كان حقيقة تلك التي اعتدنا صوتها، أقدامها الهاربة من حجارة انتفاضة، أو رصاص عبثي يملأ كل الاتجاهات، شيرين التي عرفها معظمنا فيما مضى من سنوات العمر، يوم كنا نفتح شاشتنا بحثا عن خبر، نعيش، معها تلك اللحظة الفاصلة بين رصاصتين، ننظر لمشهد اعتيادي وننتظر في الآن ذاته صوتها الذي اخترق صمتنا، ونظرتنا الضجرة إلى شاشة ما عادت تسد جوعنا لفرط اعتيادنا على القصف المباشر للحياة وبالصورة التي لا تقبل الجدل.

رحلت شيرين كما أتت ذات بداية، آخذة معها شيئا من انفسنا من ذواتنا التي كانت تتأهب غير ما مرة في لحظة تأمل لما آلت إليه قضية، او بالأحرى ما تاجر به الكثير في زمن تقسم فيه الأوطان ويتكاثر ثكالى الحروب، رحلت تاركة خلفها يتما آخر لمن توقفوا خلفها منبهرين لشجاعتها تلك، لنظرتها التي يتذكرها كل ما شاهد خبرا مقتضبا، أو لحظة نقل مباشر لمشهد ياتي ضمن عواجل أخرى، طالما أبقت الإنسانية برمتها أمام صمت الذهول.

غادرت شيرين تماما كما غادرت أكثر من صحفية، أو مراسلة أو مراسل، في أكثر من مكان من العالم، لتترك خلفها مرارة الأسئلة، وشيئا من استفهاماتنا التي احتفظنا بها كلما دارت آلة الموت في مكان ما من عالمنا، رحلت تاركة في ذاكرتنا صور زمن مضى، أو آخر يحل بأسئلته المربكة، رحلت دون أن يتسنى لنا مشاهدة نقل مباشر، أو حتى تسجيل نتابع بين صوره جزءا من قضايا كبرت معنا، او أخرى تناسينا تفاصيلها ذات منعطف زمني.

هكذا رحلت شيرين، وسط حشد لم يحدث أن رآه كثيرنا في لحظة تأييد لمن تاجروا بقضية، لتقزم أمامها قامة من توقفوا خلف الشاشات ليبيعوا الانسانية وهم قضايا زائفة، حشد وحده كان يدري بذلك الأثر الذي تركه من حمل عدسة ما ليعبر وسط ألغام وطن، أو ساحة مواجهة.

غادرتنا شيرين لتترك لنا رسالتها بحبر من زمن الوفاء لقضية، ولغة لا تقبل مزايدة فصيل يفاضل بين موت وآخر، أو مشهد عزف رصاص يأتي على الإنسان، رحلت دون أن تسأل عن حقوق لحظة بث، أو سقف مشاهدي لحظتها الأخيرة وهي تودع عالمنا في صمت..

Commentaires

Articles les plus consultés