كلفة الكلمات /الأديب أنس الشرايبي





 كلفة الكلمات ...................................................................................................

قبل زمن طلب من أحد طلاب مدرسة في الصين كتابة شيء على ورقة بيضاء، فما كان من ذلك التلميذ إلا كتابة رسالة حب، وفي زمن كالذي لم يكن ثمة من يكتب سوى كلمات تمجد الرفيق ماوتسي تونغ، لم يكن يدري وقتها ذلك الطالب كلفة كتابة كلمات لا يمكن توقع عواقبها في ذلك الزمن الذي كان ممنوعا فيه أن يحلم الإنسان الصيني، ولو في مساحة لا تتجاوز حدود الورق!

مثله كثر طبعا وعلى مدار الأزمنة، فنحن كبشر نأتي للحياة بالغرائز الإنسانية نفسها، نكتب كلمة اعتراف بحب، أو نخط رسائلنا أو كتاباتنا البسيطة في هوامش دفتر، على الجدران، أو حتى في رصيف ظل شاهدا على غمرة تلك الأحاسيس التي اجتاحت دواخلنا، نكتب لأننا بحاجة للحظة مكاشفة مع ذواتنا، لذياك الحلم الذي تمضي صوره بين أعيننا، نفرج عن أوهامنا في مساحة نرى فيها الأشياء بمنطق آخر، نعيش برهة تضاد لحظة كتابة قصيدة، أو قصة، أو حتى رسالة حب دون أن نضع في حساباتنا حتمية الافتراضات، أو حتى هواجس كالتي كابد آخرون مشقة تجاوزها منذ بدء الخليقة.

من عنترة إلى قيس، وغيرهم على امتداد كوكبنا أمثلة لا يمكن حصرها في عشرات الروايات ولا في ألف قصة، عابرو أزمنة كلفتهم الكلمات أكثر مما توقع كثيرهم، بين من قصف عمرا أمام كلمات استحال عليه كشف سرها، أو آخر انتهى به أمر حب مقيدا إلى سرير بتهمة الجنون.

وما زلنا؛ كلما شارفت أشهر الحب نحتسب ذلك الهامش الزمني العابر من عمرنا، نكابر لإخفاء كلمة قد تجلسنا لاحقا خلف زخم من علامات الاستفهام، أو تضعنا أمام محك تجاوز لحظة أصابتنا فيها سهام حب، وفقط لكوننا أخطأنا محطة حب برقم، أو ربما ببضع مقاعد.

عمر إذا مضى ليتركنا كحالمين أمام عثرة قدرية، أو حتى بضع أضغاث حلم، نرتب فوضى اعترافاتنا، نبحث في دواخلنا عن كلمات تترجم أحاسيسنا، عما تركنا على مدار مواسم أمام مطب النسيان، أو لهفة تدفعنا لكتابة حلمنا بكل ما امتلكناه من الأبجديات، نجلس إلى يتم ذاكرتنا الأخرى، أو حتى جزء من صور عمرنا الذي مضى، لنمسك بلابيب أحلامنا الهاربة، لنجرب كتابة كلمة لا ندري أين ستنتهي بعد عمر.

ها نحن أيضا في زمن التهام المسافة، نسلم هوامش حلمنا لتلك المساحة الافتراضية في هواتفنا، نستعير حيزا زمنيا لنعيش وهم لحظة هاربة، نكتب بقايا أحلام كانت، أو أخرى لم يزل صداها يتردد في دواخلنا كلما فتحنا صفحة من ذكريات عمر حول كتاباتنا الأخرى إلى غبار، وكذلك الذي اكتشف بعد زمن كونه نسي صندوق رسائل ليكتشف خيبة كلمات التهمها صقيع عمر شهد أكثر من لحظة تردد! .....

Commentaires

Articles les plus consultés