أشياء الغياب /الأديب أنس الشرايبي
أشياء الغياب
.....................................................................................................
منذ زمن عرضت احدى اللوحات لرسام مغمور توثق مشهد انثى تخيط ثوبا على مسافة من شرفة، تلك اللوحة التي كتب لها في غفلة من الزمن، أن تباع بسعر قياسي ينضاف الى ما اعتادته البشرية في احيان كثيرة من تفاصيل تعجز الانسانية عن إدراك تفاصيلها. ذلك أن في السر ربما كان في ذلك المشهد الذي عرفته البشرية برمتها، ما دام كثيرنا يغرق احيانا وسط أشيائه وعينه على جادة ذاكرة غياب، أو حتى فقدان عاشت الانسانية بأكملها هواجسه منذ بدء الخليقة.
مع كل موسم نسأل انفسنا عن طامة غياب من قاصصونا بالعودة، نسائل تفاصيلهم، عطرهم، كما حكاياتهم تلك، نفتح علبة أسرارنا الصغيرة لنتفقد صورهم، غبار ذاكرتهم، كما فيضا من أشياء توحدنا معهم في تفاصيلها ذات موسم، دون ان ندري بما تخبئه الأقدار، او على الأرجح نوازعنا التي تدفعنا لإعلان غياب مؤقت لأسباب البحث عن موطن بديل، حلم بديل، او حتى لأسباب كالتي دفعت بملايين آخرين صوب ساحات الحروب تاركين خلفهم ثكالى أحلام، ومشاريع نساء ينتظرن على طرف نافذة، في انتظار ساعي بريد ينقل الكلمات بحبر يختلط بدموع الحنين و اشياء أخرى وحدهم عشاق ذلك الزمن ادركوا تفاصيلها ليغادر معظمهم عالمنا تاركا تذكارا من غبار الحنين وأشياء أخرى لا تقل قيمة عن لوحة تعرض في مزاد.
الق حزنك بعيدا وابحث عن لحظة لقاء -تقول الحكمة- وربما كان صاحبها يدري بهواجس البعد، بالأشياء التي صمت عنها من احتفظ بحفنة خطابات لعمر، من قصف نصف عمره امام ذاكرة الغياب، من تنتظر على حافة مرفأ، من تعقد قرانها على باخرة تأتي من اللامكان، من تنظر لأشيائها في صمت منتظرة هاتفا يدق في اللحظة الأقل!
لذا ما زلنا في كل زمن ننظر لعداد يومياتنا العابرة، نحتسي كوبا على عجل، عاقدين قراننا على تفاصيل كانت، على صوت زعقة توقظ بدواخلنا ما بات لفرط الغياب أشبه بصخرة صماء، ننظر لأفق آخر، او لجادة حلمنا، نعيش ذكرياتنا وسط كلفة الهواجس.
كلفة لم نزل ننظر لتداعياتها كلما طالعنا خبرا عن عاشقين مجهولين، غادرا عالمنا مبكرا، ليتركا خلفهما ظلال قصة، وأشياء نتفحص تفاصيلها كلما وجدنا أنفسنا أمام صفحات لمذكرات كتبناها ذات غياب!!...
Commentaires
Enregistrer un commentaire