أثمن هدية لأم الخطيب / قصة قصيرة للأديب أحمد علي صدقي

 أثمن هدية لأم الخطيب.

غادرت بيت خطيبها مسرعة.. رجعت لبيتها مهمومة بعد لقاء مع أم خطيبها. دخلت بيتها. بالباب نظرت الى المرآة.. وجه أسمر جميل.. أسنان مصفوفة بيضاء.. عينان عسليتان.. شعر أسود غزير ملق على كتفين، رسما بعرض كما تريدهما.. وهي تقارع مشاعر وأحاسيس إهانة أم خطيبها لها، بكت بدموع غزيرة.. وتساءلت، وهي تمعن النظر في صورتها والدموع تتساقط على خديها:

- كل هذا الرشاقة و لم تر مني أم خطيبي إلا لوني؟ لماذا كلما أردت أن أفهمها حقيقة حبي لأبنها، تنظر الي شزرا و تلوي رأسها استكبارا وتردد:

يا رب! ما هذه البلوى. كيف لإبني الأشقر أن يتعلق بفتاة سوداء؟

جلجلت بهذا رغم الداء الذي يقعدها منذ مدة.. 

أم الخطيب، كانت جميلة رغم سنها. لكن مرض القلب أخذ منها مأخدا جعلها مقعدة، قليلة التحرك... 

أرعب صياحها الخطيبة، فغادرت البيت وأسئلة كثيرة تنخر دواخلها لما سمعته ممن تناديها بخالتي.. يوم شؤم كان هذا اليوم الذي زارت فيه أم خطيبها. يوم، كان من المنطق، أن يكون أجمل يوم.. يوم كانت تنتظره بشغف لتعلن فيه زفافها لمن اختارته كزوج..

جرى الخطيب وراءها لكنها رفضت الرجوع معه. جرى الى أمه المريضة خوفا من أن تصاب وراءه بسكتة قلبية.

الخطيب: هدئي من روعك يا أمي. انتبهي لنفسك. 

الأم: لن اقبل لك هذه السوداء كزوجة. الابن:

لكني أحبها يا أمي.. الأم:

لن أرضاها لك. اتركها ولك عندي أجمل منها. الإبن:

لماذا هذا المنع وهذا التعنت يا أمي. فأنا أحبها ولن أقبل غيرها 

الأم: 

لن أرضى أن تكون زوجتك من صنف الخادمات. فكل سوداء هي عندي خادمة!

يا أمي إنها من عائلة شريفة ومتعلمة وأستاذة. وكانت صديقتي بالفصل. 

الأم: لن أقبلها لك. متعلمة أو غير متعلمة فهي ليست من مرتبة عائلتك..

الخطيب: 

- ياأمي مهما كان لونها فأنا أحببتها ولن اتخلى عنها مهما حصل. الأم:

- لا. ثم لا. ثم لا... الإبن:

- يا أمي الحب لا يعرف الألوان. الحب في القلوب. والقلوب يجري بعروقها دم بنفس اللون..

الأم: 

- أراك تتحداني. وستندم على هذا.. الابن:

- لا اتحداك ولكن هذا حبي وهذه ستكون زوجتي ولن أقبل غيرها. شهقت الأم و سقطت في غيبوبة.. اسرع الإبن و حملها للمستشفى...

واقفة أمام مرآتها، كانت الخطيبة غارقة في وساوسها، مخاطبة نفسها عن مآل قضيتها، إذ بهاتفها يرن. خطيبها يريدها أن تلحق به الى المستشفى.. 

أخبر الطبيب، بعد الفحص، أنها يجب تخضع لعملية جراحية في الحين...

خرجت الخطيبة مسرعة ودموعها لا زالت تسیل فوق خدیها متجهة الى المستشفى لتعين خطيبها وهي تردد: 

- اشكرك ربي على كل قضائك. أنت القادر على كل شيء فاللهم خفف ما نزل على أم خطيبي..

قالت له فور وصولها:

- حبيبي. كل ما لي وما أملك هو لك. فاسرع بالعملية ولا تنتظر...

طلب الطبيب من الإبن أن يحضر أحدا من العائلة له نفس الفصيلة الدموية.. تقدم الابن للفحص لكن الخطيبة منعته، وتقدمت هي الاولى.. أخذوا منها عينة.. كانت فصيلتها من تلك التي يحتاجونها...

مرت العملية بنجاح... استيقضت الأم بعد يومين من غيبوبتها وأثر المخدر.. 

كانت ابنة السوداء -كما وصفتها- تربت على كتفها وهي قلقة تبعد يدها عنها. لم تعرف أنها قد قدمت لها أثمن هدية، وهي دما نقيا يسري الآن في عروقها.. دم أخذ من قلب يعرف الحب فقط، ولا يعرف فرقا بين ألوان البشر...

أحمد علي صدقي/المغرب



Commentaires

Articles les plus consultés