مواجع العمر / الأديبة جميلة مزرعاني
مواجع العمر
أوتسألني عن العمر ؟ زماننا زمن الكرب والبلاء ، زمن العصافير المسجونة في زنازين الأيّام تناوبتّ على اغتصاب زهوته أيادي الشّر أضاعت فيه فرص الخير والرّجاء حقباتٌ متعاقبة مستديمة مدفوعة الأثمان تبنّت دكّ أعمارنا بالمجان في مخطّط ممنهج قضى قصّ أجنحة نخيلنا الباسق المشرع للآفاق يُقحمُ عصرنا في لعبة القتل والدمار مذ حبونا نتوق لما تُسمى حياة وقاطرة الموت تحصدنا ضحايا حروب تذوّقت شهد أحلامنا تلذّذت تقضم ربيعنا لقمة سائغة تبعثر فلذات أمانينا في نهر الموت المستباح ، سنين كنّا سُكناها بلا سقوف ولا جدران نتناول وجبات القهر فاكهة بطعم المواجع ، سنين عجاف ثكلى بكماء خجلى جفّف الهلع ضرعها ، أزمات ما فتئت تمتصُّ ندى زنابق تعلّقت أبصارها بالضياء على مرمى زمن يسرج عواءه في وجه الفصول قاطبة ضيّع أعمارنا في حقيبة نفرّ كالجرذان نجتاح ملاجئ سلامنا المسلوب فنستشهد في الدقيقة ألف مرّة رعبًا وجزعًا ، وما زلنا على قيد ذاكرة حيّة تصنع القصيد من تلابيب المعاناة من فم يراع لاحت تجاعيده في جبين الصّبر وتضاريس الأخاديد الخاوية تآكلت في وجنات الكلمات حتى شاخ صمت المحابر يؤرق المصير ، ما زلنا هناك نحرس الغيم علّه يمطر غيث أحلام مغيّبة ، ما زلتُ هنا أرتقُ ثوب عمر مزّقته المحن بخيوط الذّهب وإن انتهى بنا المطاف عراة الجهد والكفّين عند أطلال قاماتنا الهزيلة نغرق في مستنقع الدمع الغزير نستجدي منصّات الصّيرفة عساها تعوّض النّزر اليسير من ودائع جنى الأعمار التي طارت في مهبّ الريح لأجل رغيف خبز مشوّه الحنطة طاله عفن الفساد.خسئتم يا من خطفتم زهوة العمر كطاقية الإخفاء أنهكتم صبرنا وروعنا دعونا نتلهّف لحمامة سلام تلوح فيما بقي من العمر ، دعونا وشأننا دبّ فينا النّعاس نريد أن ننام .
جميلة مزرعاني
لبنان / الجنوب
Commentaires
Enregistrer un commentaire