الحروف والكلمات/الأديب احمد علي صدقي
الحروف والكلمات.
الكلمة ليست مجرد رمز بل هي قوة تحول العالم (رولان بارت)
أن تفكر: هو أن تقول لا. Penser c'est dire non (جاك دريدا)
كلام كبير لمن له فكر شاسع ونير.
لنرى كلمة : "نعم" و "لا" كمثال:
أنت عندما تقول "لا" فبداخلك أقوى "نعم" لكل ما يتنافى مع ما قلت له "لا". وهذا يريك أنه ليست كلمة "لا" - هذا الرمز البسيط لنفيك ما سمعته- هو المهم ولكن المهم هنا، هو كيف استطعت بقول "لا" تغيير مصار الأشياء بهذه الكلمة.
ثم عندما تقول "نعم" لكلام سمعته، فهذا يكسبك طاقة تقبل تجعلك تتصرف بكل جوارحك لما قلت له "نعم":
"نعم" جواب يفيد التصديق. فهي قطب موجب (+)
ولا: جواب يفيد النفي. وهي قطب سالب (-)
بين "موجب (+)" و"سالب (-)" توجد دائما الطاقة. فبين موجب وسالب يضيء المصباح. وبينهما تشتغل المحركات.
في "نعم" وفي "لا"، توجد قوة وطاقة يمكنها زعزعة الجائر و إسقاط الجلاد و قلب الموازين.
عندما نستطيع الرد بكلمة "نعم" أو كلمة "لا" لمن يخاطبنا، نشعر بمتعة وقوة و وجود مطلق، لأن ب "نعم" و "لا" تفعل أسمى قوة وأنبل معاملة بداخلنا و تجعلنا أحياء ونحس بوجودنا بيننا نحن ونعلم أن هناك ما يحلو له العيش وهو وجود ديمقراطية تسيرنا.
العيش الإنساني إذن لا يحلو إلا في فضاء تقام فيه "نعم" بجانب "لا"، وبلا حرج.
فضاء تُفَعَّلُ فيه "نعم" وتفعل فيه "لا"، هو الفضاء الذي يجعلنا نحس بإنسانيتنا وبأنا لنا شخصية وباننا نتمتع بحقوقنا ولو بإبداء رأينا حو ما يدور حولنا.
كلمة "نعم" و كلمة "لا" قد تخرج شعوبا من الرذالة و تغمس أخرى فيها.. كلمة "لا" وكلمة "نعم" قد تحيي أقواما وتميت أخرى.. كلمة "نعم" وكلمة"لا" قد تنهض ببلد و قد تسقط آخر من عيون بلدان أخرة..
ألا ترى عزيز القارئ، أن الفضاء التي تحبذ فيه كلمة "نعم" لوحدها وترفض فيه كلمة "لا"، هو فضاء يدعم الاستبداد و يؤسس للعيش تحت وطأة العبودية؟
ألا ترى أن الفضاء الذي ترفض فيه كلمة "نعم" ولا تقبل فيه إلا كلمة "لا" هو فضاء قتل الإنسان بموت الحوار؟ إنه فضاء منتهاه العيش تحت وطأة الإضطهاد؟
لن يؤسس فضاء رحبا و مناسبا للعيش الكريم إلا حين تتعايش فيه "نعم" ب "لا"، جنبا لجنب. فضاء "نعم" و "لا"، هو الفضاء الذي تمارس فيه الديموقراطية وتحترم فيه حقوق الإنسان؟
تعايش "نعم" مع "لا"، هو من يحدد نمط حياتنا. هو من يجعلنا نتمسك بالبلد التي نعيش فيه. هو من يجعلنا نبحث عن كيفية العيش التي تتطلبه الحياة الاجتماعية المثلى. تعايش "نعم" مع "لا"، هو من يجعل الرئيس يحترم مرؤوسه ويقدره ويعتني به ويجعل المرؤوس يستمع لرئيسه و يقتنع برأيه، وهذا ما نسميه الحوار. وهذا ما نطعِّم به الديمقراطية.
الشخص الذي يستطيع قول "لا"، عندما يختلف مع الآخر وقول "نعم" عندما يتفق معه بدون حرج في ما يعرض عليه، هو فعلا الإنسان الموجود. هو فعلا الإنسان الذي يحيا. وهو فعلا إنسان حي يعيش في بلد ديموقراطي...
قدم دائما "لا"، فوراءها يوجد نعم، ولا يكن دائما ديدنك هو "نعم" وإلا فأنت مستغل أو ميت. ولا يكن ديدنك دائما "لا" فستكون منبوذا، يترصدك الكل ليستغلم و يقلل من شأنك ويطيح بك..
عيش بين "نعم" و "لا" وادلي بدلوك وقارع مسؤولك فستكون أنت الرجل الصالح الذي به توطد العلاقات وبآرائه تسقى جذور الديمقراطية وتنمو الحرية وتموت العبودية. أن تكون ذا رأي تقول لا، حين ترى أنها هي الواجب قولها، وتقول نعم، عندما يستوجب قولها، يجعلك ذو شخصية متوازنة تتصرف في حياتك حرا حسب ما تتطلبه المواقف.
أحمد علي صدقي/المغرب
Commentaires
Enregistrer un commentaire