قصة قصيرة/ رائحة أمي/ الأديب أحمد علي صدقي
قصة قصيرة بعنوان:
رائحة أمي.
انتزعته الخدمة العسكرية من حضن أمه التي كان وحيدها، فلم يعد يراها ما يناهز السنة.. هي لا تعرف الكتابة ولا القراءة ومنطقتها لا زالت غارقة في جاهليتها، لم تصلها وسائل التواصل الحديثة بعد.. طلب رخصة للذهاب لرؤيتها عدة مرات ورفضت له.
كان يشعر أنه إن ماتت أمه ولم يرها، فكل ما سيتبقى من عمره بعدها هو جحيم عليه...
منحت له رخصة الزيارة بعد أن سمعوا أن الدوار قريب من بؤرة الزلزال.. سمحوا له بالخروج لتفقد أحوال أمه.. فارق تكنته الضيقة، ورغم اتساع الأرض، كان صدره منقبضا أكثر من صدر أسير.. أفكاره تنفث في روعه أن أمه قد ماتت...
توقفت الحافلة التي كان يقلها عند نهاية الطريق المعبد باسفل التل.. تابع مشيه راجلا، ليتم ما تبقى من هذا الطريق الكؤود.. بالكاد اقترب من الدوار، ومن بعيد، ترآى له المنظر المهول. لقد تمت تسوية بنايات الدوار بالأرض إلا من صومعة مسجد تقف وحيدة تشهد على هول ما وقع...
جلس يستريح فوق صخرة، بعدما شلت رجلاه من التعب.. هل يتقدم إلى الأمام أم يتراجع إلى الوراء، أمرين كلاهما صعب..
أخذ رأسه بين يديه.. وجلس يبكي.. خاطب نفسه قائلا:
- استسمحك يا أمي. لقد فرطت في جنبك، ولكن رغما عني. لم يبق لي اليوم، إلا الدعاء لك ولكل الموتى معك...
وهو غارق في دعائه، أغمض عينيه يتخيل صورة أمه.. اشتم رائحتها وأحس كأنه في حضنها.. شعر بصوت خطوات أقدام تقترب منه.. حتى لا يضيع حلمه، أبى أن يفتح عينيه خوفا أن لا يجد أحدا بقربه.. تنهد من عمق أحشائها.. أحس بيد تربت على كتفه.. استفاق.. إنها أمه بلحمها وعظمها.. تضحك وتبكي.. تضحك للقائه المفاجئ، وتبكي على من فاجأتهم موت لم تكن لهم في الحسبان..
نجت لكونها كانت عند إمرأة الفقيه...
أحمد علي صدقي/المغرب
Commentaires
Enregistrer un commentaire