قلعة الخلود / الشاعر سمير الزيات
قلعة الخلود
ــــــــــــــــ
مَاذّا أَقُـــولُ حَبِيبَتِي
عَنْ قَلْعَةِ الْوَهْمِ الْعَجِيبْ ؟
هِيَ قلْعـَةٌ غَيْرَ الْقـِلاَعِ
وَإِنَّهـَا سِجـْنٌ كَئِيـبْ
مَاذَا أَقُــولُ عَنِ الْجـَوَى
فِي ظُلْمـَةِ الْلَّيْـلِ الرَّهِيـبْ
فَأَكـَادُ يَقْتُلُنِي الأَسَى
وَالْوَجـْدُ فِي هَـذَا الظَّلاَمْ
فَتَرَفَّقِي ! ، إِنِّي هُنَـــا
يَقـِظ العيُــونِ وَلاَ أَنَـامْ
***
هـَذِي جِرَاحِي فِي يَدِي
سَالَتْ ، وَأَدْمَتْهَا الْقُيُودْ
قَدَمـَايَ فِي أَغْلاَلِهَا
شُلَّتْ ، وَأَنْهَكَهَا الْجُمـُودْ
وَوَقَفْتُ وَحْدِي هَا هُنَا
أَبْكِي وَأَحْلمُ أَنْ أَعـُودْ
أَصْبُــو إِلَى حُرِّيَتِي
فَأَعُـودُ أُمْسِكُ بِالزِّمَـامْ
وَأَسِيرُ حُرًّا حَيْثُ شَـاءَ
الْقَلْبُ ، أَنْعَـمُ بِالسَّلاَمْ
***
إِنِّي مَلَلْتُ ـ حَبِيبَتِي ـ
مِنْ وَحْشَتِي بَيْنَ الْقِلاَعْ
مِنْ لَوْعَتِي ، وَوَدَاعَتِي
وَسَئِمْتُ مِنْ هَذَا الضَّيَاعْ
وَمِنَ الْحَيَاةِ جَمِيـعِهَا
لَمَّـا تَغَشَّـاهَا الصِّرَاعْ
فَالْلَّيْلُ حـِينَ يَلُفـُّنِي
بِذِرَاعِهِ ، أَنسى الكـلامْ
وَالصُّبْـحُ لَيْسَ يَسُرُّنِي
فَالنُّـورُ فِي عَيْنِي ظَلاَمْ
***
هَلْ تَعْلَمِينَ حَبِيبَتِي ؟
أَنِّي رَقِيـقٌ كَالزُّهُـورْ
أَحْتَـاجُ دَوْمًـا لِلْهَـوَاءِ
وَلِلْمِيَــاهِ ، وَلِلْحُبُــورْ
أَحْتَـاجُ أَجْنِحَةَ الْهَــوَى
لأَطِيـرَ حُــرًا كَالطُّيُورْ
فَأَكُـونُ أَنَّى سَـاقَنِي
شَوْقِي وَأَعْجَبَنِي الْمُقَامْ
أَشْـدُو ، وَأَنْعـمُ بِالْغِنَـاءِ
وَأَنْتَقِي حُلْوَ الْكـَلاَمْ
***
هَلْ تَعْلَمِينَ حَبِيبَتِي ؟
أَنِّي أَتُـوقُ إِلَى الرِّفـَاقْ
فَلْتَعْلَمِي ، أَنِّي هُنـَا
أَدْرَكْتُ مَعْنَى الاشْتِيَاقْ
أَدْرَكْتُ أَنِّيَ فِي الْهَـوَى
أَصْبَحْتُ مَشْدُودَ الوَثَاقْ
فَـيَدُ الْغَـرَامِ تَشُـدُّنِي
وَتُذِيقـُنِي مـُرَّ السَّقَـامْ
وَتَهُــدُّنِي فِي قَلْعـَةٍ
مَحْجُوبَةٍ خَلْــفَ الْغَمـَامْ
***
فِي قَلْعـَةٍ مَحْفُـوفَةٍ
بِالْمـَوْتِ مِنْ كُلّ ِاتِّجـَاهْ
فَالْمـَوْتُ فِي أَرْجَائِـهَا
يَلْهُــو وَيَعْبَـثُ بِالْحَيَـاةْ
وَأَرَى فُـؤَادِي هَـا هُنَـا
يَرْضَى بِمَـا شـَاءَ الإِلـَهْ
فَأَظـَلُّ فِي وَهْـمِ الْمُنَى
أَهْذِي ، وَأَحْلـمُ بِالْوِئَامْ
وَبِأَنَّنِي يَوْمًـا أُكَسِّرُ
كُلَّ أَجْنِحَـةِ الظَّلاَمْ
***
أَصْبَحْتُ فـَوْقَ الْقـِمَّةِ
أَبْكِي وَأَصْرُخُ فِي الرِّفَاقْ
وَالنَّاسُ حَـوْلَ الْقَلْـعَةِ
وَقَفُوا عَلَى قَدَمٍ وَسَاقْ
نَادَييْتُهُمْ مُسْتَنْجِدًا
هَلْ مِنْ نَجَاةٍ أَوْ عِتَاقْ ؟
نَظَرُوا إِلَيَّ وَسَاءَهُمْ
أَنِّي وَقَلْبِيَ كَالْحُطَامْ
طَارُوا عَلَى أَسْوَارِهَا
كَانُوا كَأَسْرَابِ الْحَمَامْ
***
هَجَمُوا عَلَى أَبْوَابِهَا
لَكِنَّهَا حِصْنٌ حَصِينْ
أَقْفَالُهَا مَدْمُوغَةٌ
بِطَلاَسِمِ السِّحْرِ الْمُبِينْ
هِي قَلْعَةٌ مَرْصُودَةٌ
بِالسِّحْرِ آلافَ السِّنِينْ
مَنْ يَعْتَلِيهَا يَنْتَهِي
وَيَضِيع مِنْ بَيْنِ الأَنَامْ
وَيَعِيشُ فِي وَهْمِ الْمُنَى
يَشْدُو ، وَيَحْلُمُ بِالْغَرَامْ
***
فَلا يَنَالُ مِنَ الْغَرَامِ
وَلاَ يَعِيشُ ، وَلا يَمُوتْ
وَيَظَلُّ يُضْنِيهِ الْهَوَى
حَتَّى يُبَرِّحَهُ السُّكُوتْ
فَإِذَا تَطَلَّعَ لِلْهُرُوبِ
فَلاَ يَمُرُّ ، وَلاَ يَفُوتْ
وَيَظَلُّ فِي تِهْيَامِهِ
حَتَّى يُجَنَّ مِنَ الْهُيَامْ
وَيَظَلُّ فِي هّذّا السَقَامِ
وَرُبَّمَا يَنْسَى الكلاَمْ
***
هَلاَّ أَجَبْتِ حَبِيبَتِي ؟
إِنِّي سَأَلْتُكِ أَنْ أَعُودْ
وَسَأَلْتُ عَنْ حُرِّيَّتِي
لأَفِرَّ مِنْ هَذَا الْجُمُودْ
إِنِّي أَمِيلُ إِلَى الْحَيَاةِ
وَلاَ أَمِيلُ إِلَى الْخُلُودْ
إِنَّ الْبَقَاءَ بِقَلْعَةٍ
فِيهَا الْخُلُودُ هُوَ الزُّؤَامْ
إِنِّي كَكُلِّ النَّاسِ أَحْلُمُ
بِالْوِئَامِ ، وَبِالسَّلاَمْ
***
سمير عبد الرءوف الزيات
Commentaires
Enregistrer un commentaire