قراءة نقدية في نص الأديبة سلوى علي / الأديب عدنان الريكاني




 من خلال قرأتي المتواضعة للنص أستخلصت الى عدة محاور وأبعاد متوارية في أعماق النص، حاولت جاهداً أن أضعها أمام القارئ للأستفادة أكثر أرجو أن حققت المطلوب واعتذر عن اي خطأ غير مقصود ورد فيه، أو ربما لم أعط النص حقه الكامل، لكني أحببت أن أدلو بدلوي واشارككم الحديث في هذا النص السردي التعبيري للشاعرة الفاضلة والأديبة (سلوى علي) .. [Salwa Husen Ali](https://www.facebook.com/profile.php?id=100084978141866&__cft__[0]=AZWIh7juAz3ciU9kaeRuj9CeqkrJWLvgH6W4mTiCv03euEAmdN2lEXOZlPum9AfoqQRSjpgMT8jT5aMK15_fF0nBrJiGN0IgU-azH1LaT5nvvFqjwns2XScPY_PTL7zfUOgpHqZ-SLcrhgMIpqIf5lfM&__tn__=-]K-R)


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


النص :ـ


روح الشمس في ممرات الخردل ..


طقوس مغروسة بطعم الرَّماد تكتظّ بالذكريات، تتجوّل فوق عقارب النهارات، لتثقب الأحزان حين دسّت أشعة الشمس بالقبور أمام ضوء القمر، جماجمها زرعت في كتب الرهبة تصمت رصاصاتها شهقات الحضارة لـنار سرمديّة يستلذّ بأطفال يتلون آيات الشيب على جناح فراشة فوق هامة عزرائيل، هناك تخمّرت أوتار النزف وصدى الرؤيا بذاكرة التنزيل، لتبلّل لحظات الاحتضار، فيتلاشى سالك دروب الصمت عبر ممرات الخردل أتعبه الرقص بين أوراق الرب، فانكسرت بهجة الشمس قبل أن تصرخ هل من نصير..؟!، نفضت شال الابجدية لتمتلئ قوارير الرَّب تحت جدائل ذهبية على صدى صوت حقول السنابل المجروحة قبل مواسم الحصاد برائحة حدائق التفاح، لتشقّ صدر الديمومة في جنّات عدن، يأتي المصير ويمتزج بالطوفان، بلحظة انفجار، وصاح الدم في الحقول لا مأوى لقد أورق المستحيل، فتساقطت النجوم على همس الليل المبلل بالحنين وهي تدندن بصوت نوارسها الصباحية الراحلة أغنية .


گوڵم ئەوی گوڵ خونچە بێت


گوڵی باخی هەڵەبجە بێت


گوڵێ گوڵم گوڵم


تۆی ئارامی دڵم..


تقول کلمات الاغنیة


*( أريد وردة من بتولات الورد


وردة من ورود حدائق حلبجة


وردتي وردتي وردتي


انت هدوء قلبي)


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


1- البُعد التأريخي والزمني :


استرجاع البعد الزمني المتعالي (بروح الشمس) المتوارثة من الاجداد، والتي كانت رمزاً من رموز الحكم والسلطة لدى الامبراطوريات الكوردية المتعاقبة من (الميديين)، وتواجدها بكثرة في الآثار المحفورة عند الكورد وحتى في الاماكن المقدسة والمعتقدات الدينية الكوردية وصولاً الى يومنا هذا حيث يتوسط هذا الرَّمز بالعلم الكوردستانى حالياً، وهذه الميزة أستخدمتها الشاعرة لبيان الفارق الاستعلائي واستبيان الرؤية الحقيقة لدى القارئ ومعرفة الجواب الواضح الذي لا يقبل الشك، بأن هذه الكوارث تاتي من نبع الصراع الحضاري ومحاولة فناء هذه الروح المتعالية لدى أبناء الشمس (الكورد) وزجهم بنار الموت في ممرات الخردل..


2- البُعد الجمالي :


لجأت الشاعرة الى بناء افكارها الادبية المستوحات من القاعدة التأريخية التي أسلفنا ذكره، كمدخل الى البعد الجمالي في استتخدام تطريز لغتها التعبرية من خلال مدلولاتها اللفظية عبر ايحاءات رمزية متفردة بلوحاتها التصويرية وتشبيهاتها الضمنية وهي تحمل دلالات متعددة لكنها في الواقع والحال مؤشر واضح لحقبة زمنية واحدة التي حدثت فيها الكارثة وفق الدليل والمؤشر، كما شبهته الشاعرة ( بتساقط النجوم على همس الليل المبلل بالحنين) فهذا فن المضاد في تحوله بين الواقع و الحال الملموس الى حالة حسية غير ملموسة باطراد فكري منضبط وفق ايقاع راسخ لا يقبل النشاز الصوتي ولا الخروج عن ايقاعه الفكري لدى القارئ، وهذا ما نسميه في البلاغة الأدبية ( بالبديع ) واللبديع هو تحسين الكلام وتزينه بالألفاظ والمعاني وفق ضوابط لغوية معينة ومنها (الطباق والجناس والسجع والتورية ).


3- البُعد اللغوي :


لا شك أن أي شاعر في بناء الشعر يتعمد بالدرجة الأولى على رصانة اللغة الشعرية و الخلفية الثقافية الموجودة في قاموسه الذهني ليثبت وجوده، ثانيا مدى مهارته الشخصية بالاتيان وخلق الصور الشعرية من اتساع رقعة خياله الفكري الادبي، وهذا ما نلاحظه في القصيدة السردية التعبيرية فليس بمقدر أي شاعر الخوض في غمارها لكثافتها الصورية واندماج نسيجها الفكري المتداخل وكانها مدرسة فلسفية فكرية موحدة غير قابلة للتقليد أبدا، لكن الشاعرة تمرست بحذاقة فكرها الراجح ولغتها الفصحية، حيث سهلت لها هذه المهمة المعقدة، واخرجتها من عنق الزجاجة بسهولة ويسر، ووضعتها في خانة التميز، بأسلوبها الرشيق وتخطيها من خانات السقوط والعقبات بدراية وحنكة.


4- البُعد الأختزالي :


ديمومة الصراع الحضاري المتناقل عبر الزمن وتحوله الى دينامكية حركية متوارثة، ومن ثم واختزاله في نص أدبي وفق منظرو انساني، أعطى النص قيمة أدبية اخرى، يجعله قابلا للهضم  ومتفاعلا لدى أي قارئ والبحث في أغواره، لانها مستوحات من قصة حقيقة ودلالات ذهنية ذات تجربة أليمة وعميقة التأثير، فروح الشمس المتعالية تختنق وتموت في ممرات الخردل، وكانها كارثة بيئية كونية مستمدة من اهوال القيامة وقربها للذهن بهذه الصورة المذهلة، باختزال دقيق وكثيف نادر للوجود، أو ربما نحن نشاهد مشهد من اشرطة السينما سريعة تمر أمام اعيننا آلاف مؤلفة من الموتى وجثثهم المرمية على الأرض وغاز الخردل يمتص ارواحهم دون رحمة ولا رأفة، فالتقارب الذهني للقارئ شيء مهم جداً بينه وبين النص ليكون الترابط متكاملاً دون انقطاع ذهني بينهاما.


5- البُعد الكوني في النص:


الاستهلال في النص بدأ بكوكب من كواكب الكون، وهي (الشمس)، والمعلوم لدى الجميل انها سبب النماء والوجود وهي الطاقة الكونية المضيئة المسببة في استمرارية الحياة لكل الكائنات على ظهر البسيطة، ومنها تحولت الى عقارب النهار والليل، ومن ثم توجهت الشاعرة الى حليفها الثاني ( القمر)، وبعدها الى الحليف الثالث للحياة فذكرت (الزراعة)، فالشاعرة هنا حاولت ان تخلق رُّوح التوازن في النص وان يفقه القارئ بأن الدنيا مزيج من (الموت والحياة) فهما كجناحين لا يتخلى الكون عن أحدهما دون الآخر، وهي فلسفة فكرية دينية ودنيوية متناسقة، وكذلك حاولت الشاعرة أن تهدأ من حدة المشهد وتفاقمه بالموت، أمام انظار القارئ أو المتلقي لكي لا ينفر من النص، ويكون مع المشهد لحين وصوله الى جنات (عدن) والسفر به لخارج هذا الكون بروح دون جسد.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


( تحليل النص ) :


أختارت الشاعرة عنوان النص بدقة رجاحة العقل و دراية مميزة، لا سيما انها الأقرب الى الصدمة الكبرى التي ألمت بها و الفاجعة التي أختارت أن تكون ضمن دائرة أهوالها المُرّعبة، رغم انها كانت بعيدة جسديا عن واقع الحال، لكن روحها أحترقت وشملت آلامها، فروح الشمس المتعالية المستضافة الى ممرات الخردل، وأن علو الشمس بروح فضائها الفسيح، نزلت وهبطت الى ضيق ممرات الخردل، والاخيرة دائما تنزل وتعشعش في الممرات الضيقة والاماكن المنخفضة لانه غاز ثقيل الوزن، فينزل الى اسفل السافلين ليصطاد فريسته إن حاولت الأختباء في تلك الممرات الضيقة.


وهنا يمكن أن نقارن بين كتلتين المتضادين والنقيضين، كتلة خفيفة و شفافه متمثلة بروح الشمس المتعالية والواقفه بشموخ في الفضاء الكوني، والكتلة الثانية الثقيلة المنزوية في الممرات الضيقة المتمثلة بغاز الخردل، فلا يوجد تكافؤ ولا مقارنة بينهما اطلاقاً للحياة، فلاولى سبب لديمومة الحياة و الثانية سبب لسلب الحياة وانعدامه، وكأن لسان الحال يقول الكفتان غير مترجحتان، وتكافؤ الارواح عند لسان الميزان يجتمعان بحرف الجر (في) والذي يستخدم بالترابط والتداخل في بعضهما البعض ونسف اختلاط الادوار هنا، واستخدام هذا الأسلوب يدخل في جنس و دائرة البديع (الطِبَاقْ) أي بمعنى الجمع بين لفظين متضادين في كلام واحد، كأن تقول ( أحب الصدق و لا أحب الكذب) فالصدق والكذب متناقضان مع بعضهما البعض.


لا أحد يلمس الضوء وينجو دون أن يعبر المسافة بين القلب والكتاب، تلك هي طقوس الشاعرة  في بيان الرؤيا بقولها ( طقوس مغروسة بطعم الرَّماد تكتظّ بالذكريات )، فالرماد لا يولد إلا من احتراق كامل بالنار فتكون النهاية الحتمية الرماد، والتشبيه كامل وليس جزئي لاخلاء اداة التشبيه من الكلام و المشبه به، وانما جاءت بصورة ملموسة مادية قريبة لذهن القارئ قبل الانتقال الى صورة حسية داخلية، وكثيرة هذه الانتقالات لدى الشاعرة في هذا النص، والاستجابة الصوتية موجودة في كلا اللوحتين من صوت الاحتراق قبل الرَّماد للطقوس، ومن ثم ضجيج الازدحام الأخير، وكأننا نعيش في حالة تدافع لنتجول وسط زحام عنيف، سمتها الشاعرة (عقارب النهار)، وكيف لا وهي تثقب الاحزان المتشظية من هذا التدافع نحو القبور، بقيامة مشهد آخر لم يتدارك ماهية إلا أمام ضوء القمر.


والخوف المسيطر على المشهد والرَّهبة المخيمة هنا، من خلال كتاب لم يزرع فيها سوى الجماجم، وانتشار غابتها السرية المتهالكة فوق السطور بعد حرب طاحنة، تناسلت من صراع وشهقات الحضارة التي تركت آثار بلذة فوق هامة ملك الموت، قبل أن يسكتهم الرصاص ببصمة الترحيل الى عالم مجهول الاتجهات، خالية من الاقطاب لانسمع فيها لاغية ولا خطاب ثقيل الوزن، ولا يشمرون سواعد الكراهية لخلق آخر، حينئذ كل الطرق المؤدية للخلاص يتلاشى، ولا يفلح من حيث أتى، سوى عبر ممر واحد وهو الموت بعينه (الخردل) واستنشاق هذا العدو الثقيل وعناقه وضمه بين الاضلاع لتتمزق الرئة بعدما تعب من الرقص بين تسوية الأوراق والملفات للرَّب، فهل يحتاج هذا الى أمتحان عسير، لتصرخ الشمس من جديد صرختها المتعالية المدوية وتملأ الكون .. أنا الهة الكون فهل من نصير ؟!.


فتشكل موجة نزوح أخرى وطوابير كثيرة خاصة تحت جدائل الذهب، لتعلو هامات الحقول بجراحها المنزفة وتفتح صدروها العارية محدية كل الأزمنة والمواقيت الآتية و المؤجلة، فالمناجل وآلالات المستخدمة للحصاد تغيرت، حتى تغير شكل ملك الموت و قابض الارواح، فقد جاء هذه المرة على هيئة (تفاحة) حمراء فيا للعجب ، هناك أغوى الشيطان أبانا (آدم) وأمنا (حواء) بالتفاحة للخروج من الجنة، وهنا يغوينا الشيطان (برائحة التفاح) للموت والعودة لجنة عدن، فهل هذه فراسة جمالية للشاعرة أو هي فلسفتها الأسطورية لتقول لنا الشيطان هو الانسان بحد ذاته بافعاله ولا اكثر وهو جنس واحد لاغير، والمصير الأوحد هو الطوفان والغرق الاكبر، أو ربما يورّق المستحيل على صوت نوراس الصباح ..!، فهنالك فسحة أمل ولا يأس مع الحياة.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


بقلم / شاعر السلام / عدنان الريكاني


/ 2023 / 12 / 26

Commentaires

Articles les plus consultés