دراسة نقدية للأديب خلف إبراهيم/ لنص حروف العزاء للأديبة فاطمة عبدالله
دراسة أسلوبيبة بنيوية وحداثية للنص
■النص
حروف العزاء
بأي ذنب قتل الربيع...
من داس الزهر في خدره
سرب جراد متمرس ..
قطف الضوء من فجره...
من ألبس الفتوة أقنعة الاندثار
وبتر عروج الأمل
من أعين الملائكة.
ضمائر مستترة
تحمل فتات الخبز الأسود
وجوه تغشاها قترة..
يذوي قمح الحقل وتحيا الغربان..
لم اعد استسيع لون الدحنون ..
..في نزيف دمي ..
ارض تتعلق بأهداب الفناء
لنغدو بلا انتماء.....
الآفاق مكفهرة خلت من زغاريد النوارس
انفاس هاربة من مأتم الموات..
وشهقات تلعق تراب الوجع...
تشرين علت بيارق النصر على جبينك
اليوم تنسج الأكفان حمراً ..
وتصدر الموت زؤاماً
أخبرنا العراف ستأتي الشام
لعنة المنون ونهر دماء ..
تحيل براح ارض خواء..
ينزف قلبي بحروف العزاء..
ويرددها الشفق الحزين ...
بقلم فاطمة عبدالله/
■الدراسة النقدية
هذا النص الشعري الجميل. هذا نص شعري قوي ومعبر يطرح العديد من الموضوعات المهمة والمعقدة. بعض الملاحظات والتحليل الأسلوبي والبنيوي للنص:
1. اللغة والأسلوب: اللغة شعرية وجمالية، مليئة بالتشبيهات والاستعارات والرموز. هناك إيقاع موسيقي قوي من خلال التكرار والجناس واستخدام الأصوات المتماثلة.
2. البنية والتكوين: النص مبني على تقابلات وتضادات (الربيع والموت، الزهر والجراد، الأمل والاندثار، الخبز والقترة). هذا التنظيم الثنائي يعكس الصراع والتناقضات في الموضوع.
3. الرمزية والدلالات: هناك رموز قوية تحمل دلالات فلسفية وسياسية واجتماعية عميقة (الربيع، الزهر، الأمل، الموت، الغربان، الخبز الأسود). هذه الرموز تشير إلى قضايا أوسع من مجرد السطح الظاهري.
4. المضمون والفكرة المركزية: النص يتناول موضوع الاغتراب والألم والموت في ظل أحداث وظروف قاسية. هناك إحساس بالفقدان والحزن العميق. الصراع بين الحياة والموت، الأمل والياس هو المحور المركزي.
5. الحداثة والتجريب: على الرغم من الأسلوب التقليدي للشعر العربي، إلا أن هناك عناصر حداثية في البناء والصياغة والرؤية. استخدام التقابلات والتضادات، والرموز المفتوحة على تأويلات متعددة، والإيقاع الموسيقي المتنوع كلها ملامح حداثية.
بالمجمل ، هذا نص شعري قوي وذو أبعاد متعددة. يتميز بجماليات لغوية وموسيقية عالية، وطرح قضايا وجودية وسياسية واجتماعية مهمة بطريقة فنية متميزة. تحليله بهذا الشكل الشمولي يكشف عن ثراء النص وعمق رؤيته.
■ الرموز والصور الشعرية المستخدمة في هذا النص والتي يمكن تحليلها بشكل أكثر تفصيلا:
1. رمز "النزيف الدموي":
إن استخدام رمز "النزيف الدموي" يعكس الألم والمعاناة الجسدية والنفسية الناتجة عن الصراعات والحروب. الدم هنا يرمز إلى الخسارة البشرية المؤلمة.
2. صورة "الشهقات التي تلعق تراب الوجع":
هذه الصورة الشعرية المؤثرة تجسد بقوة الحزن العميق والألم المادي والنفسي الذي ينتاب الناس. فالشهقات والوجع هما مظاهر للمعاناة الإنسانية.
3. رمز "تشرين":
إن الإشارة إلى "تشرين" هي إشارة رمزية إلى الأحداث السياسية والاحتجاجات الشعبية التي شهدتها بعض الدول العربية في أواخر عام 2019. وهذا يعكس تأثير هذه الأحداث على الواقع المؤلم للناس.
4. رمز "لعنة المنون":
هذا الرمز يشير إلى المصير المحتوم والموت الذي ينتظر البشر جراء الصراعات والحروب. فالموت هنا يتخذ صورة "لعنة" تجتاح البلاد.
5. صورة "نهر دماء":
هذه الصورة القوية تجسد بشكل مباشر الدمار والخراب الذي تخلفه الحروب على الصعيد البشري، حيث الدماء تجري في شكل "نهر" مؤلم.
6. رمز "الارض التي تتعلق بأهداب الفناء":
هذا الرمز يعكس فقدان الهوية والانتماء، حيث تبدو الأرض مهجورة وعاجزة عن الارتباط بأهلها، فهي "تتعلق بأهداب الفناء" أي بالضياع والزوال.
هذه هي بعض أهم الرموز والصور الشعرية المؤثرة في النص والتي تعكس الرسالة الرئيسية للشاعر حول معاناة الناس وآلام الصراعات السياسية.
●●إن هذا النص الشعري الحزين والصارخ يوظف بشكل لافت السيميائية والرمزية للتعبير عن الألم والخسارة والموت. لنستكشف هذه الجوانب بتفصيل أكبر:
1. السيميائية في النص:
- استخدام العديد من العلامات والإشارات السيميائية كالزهر والضوء والجراد والغربان لإنشاء دلالات وتجسيد المعاني المجردة.
- توظيف الألوان كالأحمر والأسود لتحميل النص بالرموز الحزينة والمأساوية.
- استخدام الحركات والأفعال كالدوس والقطف والبتر لتعزيز الإحساس بالفقدان والتدمير.
2. الرمزية في النص:
- الشاعرة تتخذ من الربيع والزهر والضوء رموزًا للحياة والأمل والجمال المدمر.
- الجراد والغربان تمثل الخراب والموت والانتشار المفزع.
- الأقنعة والأكفان الحمراء ترمز إلى الموت والخسارة والانكسار.
- الشام وملعنة المنون وأرض الخواء تتجسد رموزًا للنهاية والدمار الشامل.
3. دلالات السيميائية والرمزية:
- النص يستخدم هذه الرموز والإشارات السيميائية لتصوير مشهد الفقدان والخسارة والتدمير على المستويات الشخصية والوطنية والإنسانية.
- تكثيف استخدام هذه الرموز والعلامات يخلق إحساسًا حادًا بالألم والحزن والضياع.
- الشاعرة تبني من خلال هذه الدلالات السيميائية والرمزية نصًا تراجيديًا يعكس معاناة الإنسان في زمن الدمار والموت.
في مجملها، تشكل السيميائية والرمزية في هذا النص أدوات قوية لتجسيد المعاناة الإنسانية والامتداد الأوسع للخسارة والألم. إنها طريقة لتكثيف المعنى والتعبير عن المأساة بلغة بلاغية مكثفة وصادمة..
■الرسالة الرئيسية التي يحاول الشاعر إيصالها:
1. التعبير عن الحزن والألم الناجم عن الدمار والصراعات:
النص يصور بألفاظ قوية ورموز مؤثرة معاناة الناس العاديين جراء الحروب والأزمات السياسية، كالإشارة إلى "نزيف دمي" و"شهقات تلعق تراب الوجع". هذا يهدف لإبراز الآثار الإنسانية المأساوية لهذه الأحداث.
2. نقد الواقع السياسي المؤلم:
هناك إشارات واضحة إلى أحداث تاريخية وسياسية محددة كالإشارة إلى "تشرين" و"لعنة المنون"، مما يشير إلى نقد الشاعر للأوضاع السياسية والصراعات التي تدمر البلاد.
3. التعبير عن فقدان الهوية والانتماء:
ظهرت في النص مشاعر الاغتراب والضياع كـ"لنغدو بلا انتماء" و"ارض تتعلق بأهداب الفناء"، مما يعكس تأثير هذه الأزمات على الشعور بالهوية والانتماء لدى الناس.
4. التحذير من مآلات الصراعات والدعوة للسلام:
من خلال الإشارة إلى "لعنة المنون ونهر دماء" و"تحيل براح أرض خواء"، يبدو أن الشاعر يحذر من المآلات المأساوية للصراعات ويدعو ضمنيًا إلى السلام والاستقرار.
بشكل عام، يمكن القول إن النص يهدف إلى التعبير الصادق عن معاناة الناس وآلامهم جراء الصراعات السياسية والحروب، ونقد هذا الواقع المؤلم والتحذير من مآلاته، والدعوة ضمنيًا إلى السلام والاستقرار.
Commentaires
Enregistrer un commentaire