رائعة من روائع الاديب أحمد علي صدقي/ المغرب
المقامة الجامعية
حدثنا عيسى بن هشام قال: خرج يوما أبو زيد من غفلاته، فاختار من بين طموحاته، الالتحاق بالجامعة لاستكمال دراساته. سار متخوفا في طرقاته. تجنب انظار الفضوليين، من رجال بالمقاهي جالسين، ومن شباب وشابات بالشوارع متسكعين. بعد أن بلغ من العمر سنوات، رجه نقصان في اللغة العربية، واستهجن ضعفه في فهم بحور النصوص الشعرية، وقصوره في تحليل الصيغ النثرية، فاختار الدراسات الأدبية. استهوته بعض الكتابات، ولحبها ولج كلية اللغات، سبر غياهب المدرجات، تحيطه انظار الطلاب والطالبات، كبارهم والشباب والشابات. أقوام جذبهم صيت الكلية، وما سمعوه عنها علنا وسرية، من تراخ في الدروس وحرية.
قال عيسى بن هشام: في قديم الزمان، كان هذا المكان، يستخلص منه اللؤلؤ والمرجان, مكان بات اليوم منسي بنقائص مديريه، مغرق تفريطا و منهوك بضراء تسييره. طلبته ينتظرهم الاحتفاء بضياع المستقبل، شباب فتي حفته الصعاب وفقد الأمل. خمن أباؤهم فيهم خيرا، ولم أر أنا في تصرفاتهم شرا. منهم الصنديد ومنهم الرعديد. منهم الصالح ومنهم الطالح، منهم من رأسه صلد كصفوان، ومنهم من خرج من داره ولم يعد يفتكر العنوان، منهم من ارتدى ثيابا تحاكي البالية ومنهم من ضاع ولبسته كل بلية. قال عيسى بن هشام: استغرب أبو زيد أمورا لم يجد لها إباحة، كهجرة بعض الطلاب للمدرجات وجلوسهم في الساحة. فيهم من عليه تعول، وفيهم من هو في نصف شهره الأول، ولا زال مشمر على كسله لم يتحول. بعضهم بدأ دراسته قيد الفحص والتحليل، وبعضهم لا زال يسأل عن التسجيل. هواية بعضهم الوقفات، و ما تشيعه من وعيد وشجب للإدارات. منهم من وهب زمنه للجلوس بالمقهى، فمن شرب القهوة والدخان ما انتهى، يعامل الطالبات بها وكأنه في ملهى، دؤوب على الكسل من البداية الى المنتهى، عجبا لما يفتله هؤلاء الكسالى من خيوط، وما يحبكه من شروط، تصفد أيادي جديدة، وتبعد اذهانا كانت للعلم مريدة، تخنق رقابا عديدة، كانت تشرئب للسبورة ولما بها مستفيدة .
قال عيسى بن هشام: رأيت أبا زيد مبتئسا يردد: هناك ما هو اغرب، و للإفلاس أقرب، ظاهرة رفض مواعد الامتحانات، و التبكير لحرمان دخول الطلاب والطالبات. كلما تقرر موعد، طالب البعض بتأجيله، وتحدث الآخرون عن تعجيله. من وفد من الطلاب للعمل، وجد بالمرصاد دعاة الكسل. معهم الأقسام ترصد، والأبواب توصد، والأجواء تفسد، وأوراق الامتحانات إلى طرودها ترد.
قال أبو زيد: رأيت بعضهم قبل الامتحانات، يمزق الاعلانات، وعند النتائج يوجه الاتهامات، للأساتذة والأستاذات.
قال أبو زيد يوما للإذاعة، يوم الامتحان غيروا لنا القاعة، وعندما أعطيت الانطلاقة وحددت الساعة، لا تسمع إلا الهمهمات، وحفيف الأوراق والتأوهات. هناك من فهم فهو يكتب، وهناك من لم يفهم فهو على نفسه يكذب، وهناك من ينظر يمنة ويسرة و وقلمه بيده قد ارتعش، ثم هناك من أضحي ليومه محترفا لمهنة التدليس والغش، و يا أسفي على ما رصدته لجنة المراقبة في الجيوب من قش، جعلني ألعن يوم الامتحان، وألعن من أطلق لغشه العنان وألعن من بجانبي أعاقني عن التركيز بالنداء ، يطلب إغاثتي أو ينهي طلبه بالبكاء. من النافدة طفت علينا ضوضاء، صداها ملأ القسم بعد الساحة، أقولها بمليء فمي وبصراحة. كل الجمل التي كانت تنطق غير مباحة.
قال عيسى بن هشام وهو يوصي أبا زيد باهتمام: لا تهتم بما يقال، و لا تكثر السؤال، اجتز امتحانك بأمان، وستعرف بعده من يعز ومن يهان، ومن كان غائبا فبان، ومن قرب القربان، ومن اختفى بالمرة عن الأعيان.
أحمد علي صدقي/المغرب
Commentaires
Enregistrer un commentaire