رائعة من روائع الكاتب رعد الإمارة/العراق

 


عابر سبيل، وبعض الرعب 


١ - (شخير)


كنت أضع يدي على فمي الصغير، وأنا أحاول كتم ضحكتي، كان شخير أخوتي الثلاثة، الشبيه بالصفير المنبعث عن أبريق الشاي، يصيبني دوماً بالأرق، لكن أحياناً كنت اصحو على شخير مختلف مصدره أبي أو أمي، أنا لم اسمع بحياتي شخيراً عجيباً مثل هذا! همهمة ودمدمة وكلمات تأكل بعضها.  ذات مساء صحوت على صفعة من كف أبي انطبعتْ على نصف خدي، كان أبي وأمي وكل اخوتي الأنذال يجلسون حولي، أخبروني فيما بعد بأنني كنت أشخرُ بصورة غريبة،  ليس شخيراً بالمعنى المعروف، كان عواءً، نعم كنت أعوي مثل ذئب مرعب ، وهذا الأمر أصابهم بالخوف والأرق، حتى أنهم شكلوا دائرة لحماية البنت ليلى شقيقتي الصغرى، تصوروا!.(تمت) 


٢-(إنتقام)


 كنت في الصف الأول، طفلاً لا أفقه شيئاً لا من الدراسة ولا من أمور الدنيا! لا أعرف ماكان سؤال المعلم حينها، لكني أتذكر أنه جَذبَ أذني بقوة، راح يديرها بين أصابعه حتى احمرّتْ وبَكيتْ، بكيتُ وبللّتُ نفسي أيضاً! في البيت، فيما بعد شكوتُ أمره لأمي، واريتها أذني المحمرّة وثيابي المبتلّة! الذي حدث أنها صفعته أمامي مساءً، كان خالي!!.(تمت) 


٣ - (ماضي)


 كنت أضع يدي على كتفها ونحن نسير على الجسر العائم حين اصفرَّ وجهها وأخذتْ ترتجف، اوقفتها وسألتها إن كانت تشكو من مرضٍ ما! قالت وهي تتابع بعينيها السيارة التي حاذتنا واختفت :

_لا، لستُ مريضة، لكنه أخي من كان يجلس بجوار السائق، لن تعرف أيُّ نظرة صوبها إلي.

_هل سيضربك؟. 

_بالتأكيد سيفعل، لكن المشكلة ليست هنا! المشكلة أن أخي هذا ميت منذ اكثر من سنة. تَسمرّتُ في مكاني وقد عَلتْ ملامحي دهشة عجيبة ، التفتُ إليها، لم تكن موجودة!!.(تمت) 


٤ - (عالم آخر)


لم يعد أبي من رحلته الأخيرة في صيد السمك، لم تكن تلك عادته، لقد مضى المساء الأول، ثم تلاه مساء آخر كئيب ولعين مثل سابقه، لكن ضحكة أبي الكبيرة لم تعد تزيّن الدار كما السابق! أخبرني خالي لاحقاً كوني الأبن الكبير لهذه العائلة، أخبرني وهو يؤكد على مخارج الحروف بطريقة مضحكة، قال:

_اظن أن والدك خطفته جنية، هكذا يقول أغلب أهل القرية! أنه لن يعود، لن تسمح له، الآن على الأقل! عليكَ فقط أن لاتخبر أمك. طبعاً لم أخبر أمي، ليس خوفاً عليها، لكن خوفاً من انتقام الجنيّة! ارتدتْ أمي ثوباً أسوداً في وقت لاحق، وكذلك فعلتْ شقيقاتي الصغيرات، ومرت الأيام والشهور بصورة سريعة، أصبحتُ رجل البيت الأوحد، حاولت خلالها أن اعيد ضحكات أبي الكبيرة التي كانت تملأ الدار ! ثم حدث شيء ، كانت النافذة مفتوحة، في واحد من مساءات الصيف الحارة، سمعت حفيفاً في البداية، ثم صوت لضحكة طفولية قصيرة، حاولتُ طرد جيوش النعاس عن عيني، آه، ثمة شبح لطيف يدور مع المروحة، راح يحدّق فيَ بعيون كبيرة تشبه عيوني، سحقاً! هل يكون أخي؟ هذا الجنّي الصغير.(تمت)


بقلم /رعد الإمارة /العراق/بغداد





Commentaires

Articles les plus consultés