رائعة من روائع الكاتب رعد الإمارة /العراق
(حكاية عطر)
كانت زجاجة العطر شبه ممتلئة! فهو لم يستعملها إلا مرتان أو ثلاث، ماعدا ذلك هي ظلّتْ على حالها:
_أريد عطراً يدوم نهاراً كاملاً. هكذا همس لبائع العطور، مازال يتذكر اللحظة التي امتدت فيها اصابع البائع الشاب نحو عشرات الزجاجات البراّقة، لحظات ثم فاح شذا الليمون فأمتلأ منه جو المكان. أكمل ارتداء ملابسه، أدرك أن الوقت مازال مبكراً فهي لم تتجاوز التاسعة صباحاً بعد، مسَّ زجاجة العطر برفق، ادناها من أنفه ثم أبعدها قليلاً وضغط ضغطاً خفيفاً! تطاير الرذاذ وسرعان ما امتلأ جو الغرفة بسحر الليمون الأخاذ، رش خلف أذنه ثم ازاح قميصه! نعم هنا تحت القلب تماما، ثم معصم اليد اليسرى مكان النبض، لم يكن خبيرا باًستعمال العطور لكنه سمع عن هذه الطريقة من ذوي الخبرة. قبل أن يخرج مسح الغرفة بنظرة سريعة فعادت عيناه واستقرتا على زجاجة العطر:
_ماذا لو تبخّرَ العطر في الطريق؟. قطب حاجبيه ثم تناول زجاجة العطر ودسها في جيب البنطلون، سار خطوات عديدة قبل أن تستقبله منبهات السيارات، قطع الشارع ثم أصبح في الجهة الأخرى، لاذ تحت ظل شجرة الدردار الكبيرة، اتصل بها، لم ترد! لحظات ووصلته رسالة منها:
_ أنا بالطريق. كلمات مقتضبة! تحسس زجاجة العطر، فكّرَ بأن يرش قليلاً منها، لكن لا، سيكون الأمر مضحكاً إن زادَ الأمر عن حدّهِ. كانت مواعيدها معه شبه ثابتة، مرتان في الشهر وأحياناً ثلاث مرات، في كل موعد من هذه المواعيد، كانت تفتح حقيبة يدها وتنفحه عدة نفحات من العطر الساحر الذي لايفارق حقيبتها! ثم تهمس له:
_ الم تفكر بأن يكون لديكَ عطرك المميّزْ. تقول ذلك ثم تريح رأسها على كتفه، أخيراً هاهي! لاحت من بعيد، بعد أن ترجلتْ من سيارة الأجرة، أخذت تتلفت يميناً وشمالاً قبل أن تعبر الشارع، تلقاها وسط الطريق، كانت عيناها باسمتان جداً وثمة سحر كان يحيط بهيئتها كلها، بأختصار كانت فاتنة. التقط كفها الطري ووقفا برهة على الرصيف، غض بصره!، كان خجولا بطبعه! الأمر هذا يتكرر في كل موعد، النظر طويلاً في عينيها ضرب من المستحيل. اقتربت منه حتى كادت تلتصق به:
_ عطرك حلو مثلك حبيبي، أحب الليمون. شعر بالارتباك !لكن الكلمات اندفعت من بين شفتيه:
_الناس تنظر لنا. اندفع أمامها وهو يسحب كفها، توقفا عند أحد الاكشاك التي تعودا الشراء منها في كل موعد، وقف خلفها وأخذ يتأمل اصابعها التي أخذت تلتقط من الأصناف المعروضة! علكة وعصائر وحلويات من شتى الأنواع حتى امتلأ الكيس، لكنها لم تنسى أن تدس فيه قنينتي مياه معدنية، همس لها :
_الا تريدين شيء آخر؟. هزت رأسها:
_لا حبيبي. أوقف سيارة أجرة ثم سرعان ما انطلقت بهما، لم يطل بهما الوقت كثيرا، سرعان ماتوقفت السيارة تحت جسر المشاة مقابل حديقة الزوراء، فتح باب السيارة الخلفي، أمسك بيدها، عبرا الشارع، سار بخطوات سريعة نحو شباك قطع التذاكر فيما أخذت هي تنتظره في الداخل،تأملها من بعيد وهو يقترب منها!الله كم هي جميلة! لشد ما يعجبه النظر إليها، وكأنما أدركت تفكيره إذ سرعان ما أخذت تحدق فيه بعينيها العسليتين فغض بصره سريعا كالعادة! تجولا قليلا في المكان وسارا على العشب وكانت كفها تغفو بين أصابعه وهما يسيران شبه متلاصقين. جلسا على العشب عند إحدى الارائك، وضع الكيس الممتلىء بالحاجيات، كان يجلس في مواجهتها تماما! فاجأته عندما قالت:
_ لم تسألني عن رأيي بعطرك الليموني؟ . نطقت بها ثم كبرت ابتسامتها، لم يرد عليها فقط اكتفى بالصمت فيما أخذت أصابعه بإزالة غطاء علبة عصير البرتقال، أخذت تلاحق عينيه بنظراتها فهز كتفيه وقال:
_ الم تقولي انه طيب !أقصد إنك قلت بأنه حلو. تناولت العلبة من بين يديه وهمست له بود:
_ في المرة القادمة عندما نلتقي، أريدك أن تحضر لي واحدة! زجاجة عطر أخرى بشذا الليمون. حدق فيها ورمشت عيناه !وجد ملامح وجهها جادة، تنهد ثم مد أصابعه وأخرج من جيبه زجاجة العطر:
_ماهذا؟ أصبحت تحمل عطرك معك مثلي !. أخذت تضحك بعذوبة، وقالت:
_لا عزيزي هذه تخصك! أريد واحدة لي. قطب حاجبيه، أضافت بعد قليل وهي ساهمة تحدق في العشب الذي بينهما:
_ عندما نفترق وتغيب أشعر بأشتياق لك، اشتياق كبير لاينتهي، أريد أن اشمك في عطرك. تنهدت، أخذت تجذب العشب القصير بأصابعها، لم ينطق بحرف كانت ملامح وجهها متوردة، وعندما التقت نظراتهما، هربت بعيناها هي بعيداً، هذه المرة!!. (تمت)
بقلم /رعد الإمارة /العراق /بغداد
Commentaires
Enregistrer un commentaire