الحبر الأبيض/ الكاتبة مها حيدر



 الحبر الأبيض

 

وصل الطائر المهاجر الى مدينة ( حديثة ) ضمن محافظة الأنبار غرب العراق ، مكان رائع مثل روعة أخلاق وكرم وطيبة أهله ، تكثر فيه( نواعير الماء ) التي أخذت مكانها على نهر الفرات لتصبح رمزًا مشهورًا لهذه المدينة العريقة .

حط الطائر وهو يشعر بالتعب قرب إحدى ( النواعير ) الجميلة ، حيث التقى صديقه ( الهدهد ) الذي رافقه في جولة بمدن وقرى وصحاري الأنبار الشاسعة ، أثناء تجوالهم أخبره عن أجمل حكاية يتداولها الناس في أحاديثهم ومجالسهم وهي قصة ( الحبر الأبيض) .

كانت هناك بنت صغيرة تحب القراءة وتتصفح دائما كتب أبيها ، في يوم من الأيام كانت تبحث عن كتاب تاريخ العراق ،  فوجدت جنب الكتاب علبة جميلة حمراء اللون ، فتحتها لتجد بداخلها شيئًا أبيض يخرج منه صوت جميل .

قال لها : ماذا تريدين يا جميلتي ؟

ردت مستغربة : من أنت ؟

قال بصوت جميل : ألم تعرفيني ؟ أنا الحبر الأبيض الذي يمسح الأخطاء .

قالت البنت متعجبة : وكيف هذا ؟!

رد الحبر بثقة عالية : هيا بنا نجرب .

في اليوم التالي ، عندما ذهبت البنت الى المدرسة رأت أحد الأولاد وهو يضرب إحدى القطط ، فقالت له : ماذا تفعل ؟! .

رد بعصبية : إنه يزعجني ولا أحبه .

قالت ناصحة : إن الله أوصانا رفقًا بالحيوان وهذا التصرف يغضب الله سبحانه وتعالى .

أطرق الولد برأسه قائلًا : أنا أعتذر لم أكن أعرف ذلك ، ولن أعيدها مره أخرى .

هنا قال الحبر الأبيض : وهكذا مسحنا هذا الخطأ  .

في الطريق رأت إحدى الفتيات وهي ترمي الاوساخ على الارض .

قالت معاتبة : لماذا تفعلين ذلك ؟! إنه عمل قبيح وينقل الأمراض للناس ، الآ تشفقين على عامل النظافة الذي ينظف صباحًا ومساء ؟

عندها قالت بصوت خجول : أنا آسفة ، ولن أعيدها مره اخرى .

هنا قال الحبر الأبيض : ومسحنا هذا الخطأ أيضًا .

وعند رجوعها الى المنزل رأت رجلًا فقيرًا وبجوارهِ ولد مشاكس يضحك ويستهزئ به . صرخت وهي غاضبة : لماذا تفعل هذا ، إنه رجل عجوز وبعمر أبيك ؟!  .

رد الولد : كنت ألعب ، ولا أعرف أن هذا العمل قبيح . سامحني ياعم ولن  أعيدها مره أخرى .

قال العجوز :  حسنًا يابني سامحتك لأنك أعترفت بذنبك ، وهذا يدل على أنك ولد لطيف .

هنا قال الحبر الأبيض : ومسحنا هذا الخطأ أيضًا .

عرفت الآن يا ابنتي ما هو عملي ؟

قالت البنت فرحة مبتسمة : نعم ،  وكذلك يجب علينا أن نراجع أنفسنا ونصحح أخطاءنا ، ليمحو الله سبحانه وتعالى ذنوبنا وعثراتنا .


مها حيدر 

من مجموعتي القصصية ( الطائر المهاجر )

Commentaires

Articles les plus consultés