من واقع الحياه/ الشاعرة جميلة مزرعاني
ق.ق..بقلم جميلة مزرعاني
من واقع الحياة 💑
المعطف الأحمر.
لاحت خيوط اللّيل تستدرج الأماسي تنثال على أكتاف الغسق تاركة الشّمس تسترسل في رحلة الغروب العتيد. وكالمعتاد رجع أستاذ مجد من عمله لكن هذه المرّة مبكّرًا ركن سيّارته وترجّل باديًا عليه الإرهاق والتّعب، يتهالك في مشيته كطائر أصابته طلقة صيّاد، يحبس رأسه بألف فكرة وفكرة، مخطوف اللّون مقطّب الجبين كمستيقظ من كابوس مرعب.لعلّ تداعيات العمل أنهكت قواه وبدّلت معالم وجهه الطّفح؟ أو لعلّ سوء أحوال الطقس غيّرت مزاجه إلى سيّء؟. فقد كان الجوّ عاصفًا والمطر ينهمر بغزارة ما بعدها غزارة وحدها الأرياح تصبّ جام غضبها على الطبيعة فينال زجاج النّوافذ حظّه الأكبر. مشى بخطى وئيدة يتناول المصعد إلى الطابق السّابع دخل شقّته يلقي بمحفظته والمفاتيح هباء خلع نعليه واستلقى على سريره بملابس العمل يتوسّد القلق يغلب عليه الشّقاء يغمض عينيه الثائرتين اللّتين تقدحان كالشّرر ،الألم يعتصر قلبه من يدري ما به أستاذ مجد؟ وحدها نفسه تعلم سرّ معاناته أعلم أنّه مشهود له بالكتمان الشديد. سرعان ما انتصب واقفًا يتقدّم نحو النّافذة لا يأبه لعواقب العاصفة المستعرة في الخارج يشعل سيجارته ويدخّنها على وقع رذاذ المطر المنصبّ كالشّلّالات والذي ساهم إلى حدّ في تبريد ثورته الجامحة. ثمّ انتفض يرمي بعقبها والغضب يأخذ منه كلّ مأخذ يطبق على درجه.يتناول مسدّسه يلقّمه مشطًا من الرّصاصات النحاسيّة الصّلدة ثمّ يعيده مكانه و ينحني على السّرير من جديد يضرب أخماسّا بأسداس والأفكار السّوداء تترنّح فوق مخيّلته تهشّم قرّة نفسه يتنفّسها هامسًا: الليل طويل كيف سأنتظر حتى الصّباح؟ كان يتمتم كمن يهذي.
أيعقل أن تخون من قدّمتُ لها الرّوح على طبق المحبّة والوفاء؟ أكاد لا أصدّق. الصبح لناظره قريب لا بدّ أن أتحقّق من الأمر .لكن الصورة تلهب خاطرته وتشعل قلبه العاشق .هل يصدّق ما نمي إليه من أحد المخبرين أنّه رآها برفقة رجل تلبس معطفًا أحمر يدخلان أحد الفنادق في المدينة واضعًا بين يديه عنوان الفندق ورقم الغرفة.فعاد بذاكرته إلى الوراء لا بدّ أنّها هي قد أهديتها معطفًا أحمر في عيد الحبّ حتما الإخبار دقيق لن أنتظر حتى الغد. سأذهب للتّوّ إلى الفندق. أخذ مسدسه وخرج على متن غضبه غير مكترث بجنون الطبيعة وصل الفندق يضبط أعصابه يخفي مسدسه في جيب معطفه زعمًا أنّه زائر مقرّب من العروسين في الطابق الثالث غرفة رقم 19 الجهة الغربيّة تمامًا كما وصلته المعلومات الإستخباريّة فسمح له بالدخول أخذ المصعد ينظر في مرآته التي استقطبت غضبه محاولًا تمالك نفسه يأخذ نفسًا عميقًا يعدّ للمئة يتفقّد مسدسه خفية قبل أن يصل إلى باب الغرفة والدم ينتفض في عروقه طرق طرقات خفيفة فتلقّفت أذناه صوتًا من الدّاخل يتمتم : لعلّه نادل الفندق سأفتح في الحال وأنت يا عزيزي أكمل صلاة العشيّة. فتحت المرأة الباب نصف فتحة فوجئت بشخص لا تعرفه راح يحدّق بها مليًّا يتنفّس الصّعداء كجبل أسقط عن كاهله معتذرًا منها لقد حصل خطأ في الغرفة بادرته بابتسامة نديّة قائلة: _ لا عليك جلّ من لا يخطئ..
مشى مستعيدًا عزيمته يعضّ على جرحه يقول في نفسه كنت على يقين أنّ راقية مخلصة مذ تعاهدنا على الودّ بإنتظار الإرتباط المقدّس
فغرّد قلبه ولاحت ابتسامة زاهرة على ثغره سأهاتفها الآن وإن تأخّر الوقت .فإذا بصوت متهدّج كصوت عجوز. يخدش مسمعه أعذرني حبيبي لم أكلّمك اليوم فأنا مصابة بنزلة صدرية ألزمتني البقاء في المنزل .لا عليك حبيبتي ألف سلامة سنلتقي في الغد إن شاء الله لديّ أخبار سارّة لك أوصيك بالانتباه إلى نفسك وبارتداء المعطف الأحمر غدًا حرصًا على سلامتك من البرد الشديد .طاب ليلك غاليتي . أدار محرّك سيّارته بعد أن أفرغ مسدسه وكاد يلقي به في البحر .لولا نصيحة ندائه - لا. لا ستحتاجه يومًا ما .
راح يشعل سيجارة ويردّد غدا حسابك أيها المخبر سأقبّلك بين عينيك رغم كذب الإخبار فالحمد لله على كل حال. الحقّ على المعطف الأحمر...أقلع يترنّم بأغنية للعندليب يحبّ سماعها .
بتلوموني ليه
بتلوموني ليه
لو شفتم عينيه
حلوين قدّ إيه
...انتهت
جميلة مزرعاني
ريحانة العرب
Commentaires
Enregistrer un commentaire