سيميائية الومضة الديوان/الأديب باسم الفضلي






 { سيميائية الومضة الديوان }

دراسة تحليلية في ومضة الشاعر اللبناني " صلاح حسينة "

الومضة :

(( أنثري قارورة شهوتي فوق قباب العشق

وعلى أعتاب جسدي الظمآن

راقصي عباءة شغفي بذراع سومرية )).


تنويه :

الومضة الديوانية ، وصف ابتكرته لهذه الومضة اثناء تحليلي اياها ووجدتها ذات دلالات ومستويات قرائية تعدل ماتشتمل عليه منهما قصائد ديوان شعري كامل

الدراسة :

العنصر الطاغي في تركيب بنية السياق اللغوي لسطح الومضة واتساقه هو عنصر الاحالة بنوعيها المقامية / خارجية السياق و الداخلية ، حيث يتشكل معناها التحتاني ( وهو المعنى الكلي / النهائي لها ) من مقاربات الدلالات المولَّدة من تعالقهما المعنوي وكما يلي :

ـ الاشارة انثري :

. بنيتها الصرفية : فعل طلب يضمر معنى النداء لفاعلته/ ياء المخاطبة مؤجل الدلالة ( سنتعرفها في سياق الدراسة لاحقاً )

.الدلالية : سياقها اللغوي : نثر : رمى الشئ متفرقاً ، بعثره

المقاربة الدلالية : بذر البذار / فعل غائي واهب الحياة باخصاب / تلقيح الارض بالبذور

ـ الاشارة قارورة : ذات سياقين لغويين مرجعيين ( ماقبليين )

. معجمياً : وعاء زجاجي رقيق شفاف لحفظ الطيب /العطور وغيره من السوائل .

. بلاغياً : المرأة على سبيل التشبية بسرعة الكسر / ( رفقاً بالقوارير) ً

مقاربة دلالة المنثور من تلك القارورة :

باحالة الاشارة داخلياً على مقاربة دلالةالاشارة ( نثر ): بذر ، جدد الحياة ، ودلالة الاشارة الحسية ( العشق ) الموحية بالنشوة العاطفية .

يتأكد معناه ( اي المنثور ) السطحي ، في انه العطر ، فهو يبعث في من يستنشقه ذات الاثر النفسي الانتشائي

وباستبدال الاشارة / قارورة ، بمقاربها الدلالي / عطر

يكون المكافئ الدلالي لظاهر جملة العبارة (انثري قارورة شهوتي ) = انثري عطر شهوتي

مقاربة المعنى التحتاني لدلالة العبارة المكافئة :

الاشارة عطر مخصوصة بالتضايف مع ( شهوتي ) مما يولد لها دلالة محددة

المعنى كما يأتي :

الاشارة ( شهوة المخصوصة بالتضايف مع / ياء المتكلم ) : لها سياقات مقامية ثلاثة :

. سياق معجمي : ميل ورغبة ذاتوية كلما حاول صاحبها إشباعها كبرت وطلبت مَزِيداً .

.سياق علمي / بايولوجية : طغت دلالة شهوة جنسية على باقي دلالاتها الحاجاتوية الجسدية

. سياق فلسفي صوفي / الشهوة الروحية: التذاذ روح المتصوف المتسامية بإطالة النظر والتأمل العذري في جمال محبوبةٍ يستحضرها خياله ليسقط عليها حبه للذات الإلهية

باستدعاء دلالة الاشارتين( العشق / العطر ) / النشوة الحسية النفسية

يكون معنى السياق الصوفي هو المتسق مع دلالة العطر

فتكون مقاربة المتضايفَين ( عطر شهوتي ) الدلالية :

نشوة لذتي الروحية ،

ـ الاشارة المركبة من متضايفين ( قباب العشق )

. قباب / م.قبة : دال سياقه معجمي : مدلوله / بناءٌ مستديرٌ مقوَّس

وهو مولِّد لدال ذي سياق ديني مدلوله: من عناصر العمارة الاسلامية

دلالتها الطاغية في هذا السياق : مايبنى منها فوق الاضرحة ،المقامات والمزارات التي تقام فوق قبور من يُتوفى ممن يتصفون بالقدسية ،فتسري عليها هذه الصفة

، ودلالة( قباب ) مخصوصة بالمتضايف / العشق ، بذا يكون العشق مقدساً / روحياً لا جسديا .ً

جمعية الاشارة ( قباب ) قصدية لافادة المبالغة بجليل شأنه.

المقاربة التأويلية :

ذاك العشق الذي ارتقى بطهارته وعفته الى مصاف المقدس ، قد رحل ( موتاً او غيبةً )، لكنه لما يزل مقيما في وجدان الشاعر وما غير مزاراته من اماكن تليق بأن ينثر فوقها عطر نشوته الروحية ، لتوازي دلالتيهما وتماثل معنيهما .

ـ الاشارة المركبة ( جسدي الظمآن ):

البنية النحوية : ( جسدي) مخصوص بالصفة (الظمان)

.الاشارة/ الجسد ، السياق العلمي / الفسلجة : المركب المادي للكيان البشري ، وموضع الشهوات والحاجات البايولوجية المتجددة الشهوة ،

. الاشارة/ الظمآن ، السياق المعجمي : دال متعدد المدلولات منها :

صفة مشبهة تدل على الثبوت من ظمئ : عطشان ، و ظمآن إلى لقائك : اشتقت اليك ...الخ / مما يجعل دلالتها مرتبطة بسياقها

المقاربة الدلالية :

بالاحالة على المقاربتين( عطر شهوتي ) و( العشق المقدس ) :

روح الشاعر المتسامية متحكمه بجسده، قامعة لشهواته ، مما يبقيه دائم التعطش لاشباع حاجاته باستدعاء الاشارة ( على اعتاب ) : المعجمية السياق : عتبةالشئ في أوَّله ، فتكون اعتاب الجسد هي تلك المنطقة السفلى عند القدمين ، وكونها كانت الحيز المكاني للرقص فوضعية الجسد لابد ان تكون الاستلقاء ليتشاكل مع وضعيته عند اصابته بالوهن بسبب الظمأ

حتى المقطع الاخير ، مازالت دلالة صاحبة الياء المخاطبة في / انثري

متكئة على رمزيتها الصوفية السالفة الذكر ،

لكن الاشارة المقامية السياق ( سومرية : سياق ميثولوجي رافديني) الواردة في المقطع الاخير ، يجعلنا نؤجل التسليم بهذه الدلالة ، حتى نتعرف مقاربة معناه التحتاني الذي ستولده اعادة تركيب ماينتجه تشريح اشارات هذا المقطع من دلالات :

ـ راقصي / الرقص :

. البنية الصرفية :

راقصي ، فعل مشاركة يتوجب وجود فاعلين يتشاركان القيام به

. في السياق اللغوي : اهتزاز وحركة الجسم على ايقاعات نغمية او الغناء، من الفنون الجميلة

بالاحالة على السياق ( الروح ـ ديني ) للمقاربات الدلالية السابقة تكون لها دلالة مقامية السياق

/ الانثروبولجيا / علم الانسان و الميثولوجيا/ علم الاساطير:

من اقدم الطقوس العبادية المقدسة والشعائر الدينية في التاريخ ، يؤدى بقصد التقرب والتواصل الروحى مع الإله،

وبذا تكون قصدية اتخاذ الاشارة المكانية المركبة / اعتاب جسدي الظمآن

مسرحاً لهذا الرقص المقدس ، هي تطهير الجسد من رغباته الغرائزية التي عرضته لعقوبة الوهن من قبل قوى غيبية يقوم الرقص التعبدي باستعطافها لرفع عقوبتها عنه

ـ عباءة : معجمية : كِسَاءً، رداء ، يُلبس فَوْقَ الثِّيَابِ ، يستر ماتحته ،يغطيه ويحجبه عن الاخرين :

بتخصيصها بما تضايف معها / شغفي ، المتضايف بدوره مع / ياءالمتكلم،

تكون هذه العباءة رجالية ، دلالتهااحالية خارجية السياق / التراث الشعبي : زي له تاريخ قديم في الذاكرة الجمعية لمعظم الشعوب العربية ، متعدد الايحاءات ، اشهرها / الرفعة ،الوقار ، سمو الخلق والاصالة ،

ـ شغفي / شغف ، معجمية :الرغبة الملحة و العاطفة الجارفة تجاه شخص ما.و( شغَف ) مصدر فعل متعدٍ بحر جر لم يستوف مفعوله / لم يذكر الشاعر

شغفه بمن ؟

مقاربة ( عباءة شغفي ) دلاليا:

وقار وسمو خلق الشاعر ، حملاه على ستر وحجب شدة تعلقه و عميق حبه لتلك المحبوبة ، وهذه مقاربة اولية ، قد تتغير بعد الوقوف على السبب الكامن وراء عدم تحديد ماهية او دلالة الحبيبة ، بعد تشريح اخر اشارتين .

ـ بذراع سومرية :

. بذراع : السياق النحوي : الباء الحرف الجار ، دلالته المعنوية هنا هي / حرف استعانة ، اي من تقوم بالرقص ( اشارة مستدعاة مما سبق) تستعين بالذراع في ايداء فعلها .

للذراع اكثر من سياق دلالي ، فهي اداة الكشف ، البناء ، العطاء ، ومرادفات هذه المغاني التي يجمعها حقل دلالي واحد عنوانه / اعمار الحياة ، ولها معانٍ مقابلة لما سبق في نفس الوقت

( كل دلالة تسكت عن نقيضها ) لكن تخصيصها بالوصف ( سومرية )رجح دلالاتها الاولى وكما يلي

ـ الاشارة سومرية : احالية مقامية / تاريخ الحضارات : اول واعظم حضارة في التاريخ ، اعلنت ميلاد مركبات بنية الحياة الانسانية ( العقلية + الروحية ، الجمالية )

تكون مقاربة ( ذراع سومرية ) الدلالية :

خلق معنى الوجود الانساني

بذا تكون الاشارة هذه ( سومرية ) هي بؤرة الومضة الدلالية ،التي تُسيِّق ميثولوجياً ،المعاني والمقاربات التحتانية للاشارات المتمفصلة مع ( الحبيبة ) وكالتالي :

ـ الاشارةالمتمفصلة/ انثري ، التمفصل بضمير المخاطبة الياء

.المعنى التحتاني : ابذري

,مقاربته الدلالية : خلق الحياة وفق هذه المعادلة الحياتية :

بذرة / حبة لقاح + بذار / تلقيح الارض + تشكّل النبتة في احشاءالارض / تكوّن الجنين في رحم الام + الانبات / الولادة

. التسييق الميثولوجي : من افعال الالهة

ـ الاشارةالمتمفصلة / راقصي ، التمفصل كما في اعلاه

. المعنى التحتاني : تقربي الى الإله بجمال لغة جسدك

, تسييقه : فعل بشري / الهي

ـ لاشارة ذراع سومرية.

المعنى التحتاني : خلق معنى الوجود الانساني.

. تسييقه : فعل بشري / الهي

بتكثيف المعاني اعلاه وتجميغها :

اخصاب الحياة + جمال ارض سماوي + خلق الانسان ( الانسان = قيمة وجودية ) يتولد مدلول اسطوري متموضع في الميثولوجيا السومرية، مقاربته الاشاراتية / الدالية : مخلوقة / خالقة ، ميتا ارضية /

( نصف الهة نصف بشرية )، عشتارية الخصب والجمال والحب

لكننا حينما استدعينا الاشارات الطلبية ( انثري ، راقصي ) ،التي تضمر تواصلية المحب خطابياً مع تلك الحبيبة ،و قمنا بتوسعة مجال تشريحنا اياها :

،انثري / اختزال دلالتهاالفاعلية الى ضمير متصل ( الياء ) العائد على مخاطَبَةٍ ما غير محددة الهوية . ساكتأ عن التصريح بهويتها

.راقصي / ذات الاختزال السابق، مع لاتشاركيته اياها في ايداء هذا الفعل المتطلب هنا ، نوعاً من التلامس البدني بين الراقصَين بدلالة ( باء الاستعانة الجارة في / بذراع ، السابق تشريحها اعلاه ) ، فأحلّ مكان ما قد يجعله ينفعل منه ( كفَّه مثلاً ) بذاك التلامس ، شيئاً لا ينفعل (عباءة)، ايحاءً منه بروحانية ( شغفه ) بها، وتعاليه فوق مادية حاجاته الجسدية.

لم تغرِ سيميائية مقارباتها المعنوية ، بؤرة الومضة ، بشد دلالاتها للدوران في فلك تسييقها كما مر مع اشارات الحبيبة

المقاربة الدلالية لمعنى الومضة التحتاني :

العشق المقدس =

عاشق / ذات روحانية متسامية + معشوقة / تختزل معنى الوجود

ـ باسم الفضلي العراقي ـ

Commentaires

Articles les plus consultés